وقد يكون
التشبيه بحروفه ، كالكاف وكأنّ وما يجري مجراهما ، وقد يكون بغير حرف على ظاهر
المعنى ، ويستحسن ذلك لما فيه من الإيجاز.
والأصل في حسن
التشبيه أن يمثّل الغائب الخفيّ الذي لا يعتاد بالظاهر المحسوس المعتاد ، فيكون
حسن هذا لأجل إيضاح المعنى وبيان المراد ، أو يمثّل الشيء بما هو أعظم وأحسن وأبلغ
منه ، فيكون حسن ذلك لأجل الغلوّ والمبالغة.
وممّا
ورد في القرآن من ذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا
أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ
لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) [النور : ٣٩].
وقوله
تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ
أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ
مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) [إبراهيم : ١٨].
وقوله
تعالى : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا
كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا
يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها
وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا
لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) [يونس : ٢٤].
وقوله
تعالى : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ
وَرْدَةً كَالدِّهانِ) [الرحمن : ٣٧].
وقوله
جل وعز : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ
ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) [الجمعة : ٥].
وقوله
تبارك وتعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ
بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا
يَعْلَمُونَ) [العنكبوت : ٤١].
وقوله
جل وعز : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي
الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) [الرحمن : ٢٤].
وهذه التشبيهات
كلها ممّا بيّناه من تشبيه الخفي بالظاهر المحسوس والذي لا يعتاد بالمعتاد ، لما
في ذلك من البيان ، إلا قوله تبارك وتعالى : (وَلَهُ الْجَوارِ
الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) [الرحمن : ٢٤].