فإنه شبه الشيء بما هو أعظم منه على وجه المبالغة.
ومن التشبيه في الشعر قول النابعة الذبياني :
فإنك كالليل الّذي هو مدركي |
|
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع (١) |
وهذا التشبيه يجمع المقصودين من الظهور والمبالغة ، أما الظهور فلأن علم الناس بأن الليل لا بدّ من إدراكه له أظهر من علمهم بأنّ النعمان لا بد من إدراكه له ، وأما المبالغة فإن تشبيهه بالليل الذي لا يصدّ دونه حائل أعظم وأفخم وأبلغ في المدح.
ومن التشبيه أيضا قول زيد بن عوف العليمي يذكر صوت جرع رجل قراه اللبن :
فعبّ دخالا متواتر |
|
كوقع السّحاب بالطّراف الممدّد |
وهذا تشبيه جيد ، لأنه شبّه صوت اللبن على عصب المريء من حلق الإنسان بصوت المطر على الخباء المصنوع من الأدم ، وذلك من أصح التشبيه ، لأن المريء من جنس الأدم ، واللبن من جنس الماء ، فصوتاهما متشابهان ، لأن السبب في اختلاف الأصوات تخالف الأجسام التي تحدث فيها ، والغرض في هذا التشبيه المبالغة.
ومن التشبيه المختار قول امرىء القيس :
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا |
|
لدى وكرها العنّاب والحشف البالي (٢) |
وهذا من التشبيه المقصود به إيضاح الشيء ، لأن مشاهدة العناب والحشف البالي أكثر من مشاهدة قلوب الطير رطبة ويابسة ، وروي عن بشار بن برد أنه قال : ما زلت منذ سمعت بيت امرىء القيس هذا أطلب أن يقع لي تشبيهان في بيت واحد حتى قلت :
__________________
(١) «ديوان النابغة الذبياني» ص ٨١ ـ طبعة المؤسسة العربية للطباعة والنشر ـ بيروت.
(٢) شرح ديوان امرىء القيس ١٦٦ العناب : شجر حبه كحب الزيتون أحمر وطعمه لذيذ ، الحشف : أردأ التمر.