من العلماء بهذه الصناعة أو أجنح إلى اتباع مذهبه من غير نظر وتأمل لم أعدل
عما يقوله أبو القاسم ، لصحة فكره ، وسلامة نظره ، وصفاء ذهنه وسعة علمه ، لكنني
أغلّب الحق عليه ، ولا أتبع الهوى فيما يذهب إليه ، وبيت امرىء القيس عندي ليس من جيد
الاستعارة ولا رديئها ، بل هو من الوسط بينهما ، وبيتا الغنوي وذي الرمة أحمد في
الاستعارة ، وأشبه بالمذهب الصحيح منها ، وإنما قلت ذلك لأن أبا القاسم قد أفصح
بأنّ أمرأ القيس لما جعل لليل وسطا وعجزا استعار له اسم الصلب وجعله متمطّيا من
أجل امتداده ، وذكر الكلكل من أجل نهوضه ، فكل هذا إنما يحسن بعضه لأجل بعض ، فذكر
الصلب إنما حسن لأجل العجز ، والوسط والتمطّي لأجل الصلب ، والكلكل لمجموع ذلك ،
وهذه الاستعارة المبنية على غيرها ، فلذلك لم أر أن أجعلها من أبلغ الاستعارات
وأجدرها بالحمد والوصف ، وكانت استعارة طفيل وذي الرمة عندي أوفق وأصح ، لأنها
غنية بنفسها ، غير مفتقرة إلى مقدمة جلبتها.
وقد
اختار الآمدي أيضا قول زهير :
صحا القلب عن
سلمى وأقصر باطله
|
|
وعرّي أفراس
الصّبا ورواحله
|
وقال
: لما كان من
شأن ذي الصبا أن يوصف أبدا بأن يقال : ركب هواه ، وجرى في ميدانه ، وجمح في عنانه
، ونحو هذا ، حسن أن يستعار للصبا اسم الأفراس ، وأن يجعل النزوع عنه بأن تعّرى
أفراسه ورواحله ، وكانت هذه الاستعارة من أليق شيء بما استعيرت له ، وعندي أن
الاستعارة في بيت طفيل أليق منها في هذا البيت ، والعلة ما ذكرته في بيت امرىء
القيس ، وذلك أن الاستعارة في بيت زهير مبنية على قولهم : ركب هواه وجرى في ميدانه
، على نحو ما قاله أبو القاسم ، وتلك استعارة بغير شك ، وقد بنى عليها ، وبيت طفيل
أقرب وأحسن لغناه بنفسه.
وقد كنت مثلت
في بعض المواضع الاستعارة المحمودة والمذمومة ببيتين :
__________________