وأما الحركة فقال سيبويه : إنه لما انجزم (١) الحرفان حرّكت الثانية منهما ، فانقلبت همزة (٢) ، فصارت حمراء وصفراء وصحراء وصلفاء ، كما ترى.
فإن قيل : ولم زعمت أن الهمزة منقلبة ، وهلّا زعمت أنها زيدت للتأنيث همزة في أول أحوالها؟
فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أنا لم نرهم في غير هذا الموضع أنّثوا بالهمزة ، إنما يؤنثون بالتاء أو الألف ، نحو حمدة وقائمة وقاعدة وحبلى وسكرى ، فكان حمل همزة التأنيث في نحو صحراء وبابها على أنها بدل من ألف تأنيث ، لما ذكرناه. أحرى.
والوجه الآخر : أنّا قد رأيناهم لما جمعوا بعض ما فيه همزة التأنيث ، أبدلوها في الجمع ، ولم يحققوها البتة ، وذلك قولهم في جمع صحراء وصلفاء وخبراء : صحاريّ ، وصلافيّ ، وخباريّ ، ولم نسمعهم أظهروا الهمزة في شيء من ذلك ، فقالوا : صحارئ ، خبارئ ، وصلافئ ، ولو كانت الهمزة فيهن غير منقلبة لجاءت في الجمع ، ألا تراهم قالوا : كوكب درّئ ، وكواكب درارئ ، وقرّاء وقرارئ ، ووضّاء ووضاضئ ، فجاءوا بالهمزة في الجمع لمّا كانت غير منقلبة ، بل موجودة في قرأت ، ودرأت ، ووضؤت ، فهذه دلالة قاطعة.
فإن قيل : فما الذي دعاهم إلى قلبها في الجمع ياء؟ وهلّا تركوها في الجمع ملفوظا بها ، كما كانت في الواحد ، فقالوا : صحارئ ، وصلافئ؟
فالجواب : أنها إنما كانت انقلبت في الواحد همزة وأصلها الألف ، لاجتماع الألفين ، وهذه صورتها : «صحراا» و «صلفاا» و «خبراا» ، فلما التقت ألفان اضطرّوا إلى تحريك إحداهما ، فجعلوها الثانية ، لأنها حرف الإعراب ، فصارت صحراء وصلفاء ، كما ترى.
__________________
(١) انجزم : يريد سكن ، فالجزم عند النحاة : تسكين الحرف أو حذفه إن كان حرف علة أو نونا في الأفعال الخمسة. مادة (جزم). اللسان (١ / ٦١٩).
(٢) في هامش (ص) ولعله من تعليق ابن هشام : «هذا الذي قاله سيبويه لم يرد به التعليل ، بل الإخبار بما فعلوه واعتزموه ، وذلك لأن هذا نفس الدعوى المحتاجة لعلة التخصيص ، لا أن هذا تعليل ، والمخطئ من أورده تعليلا ، لا سيبويه».