فالجواب أن بين
الضمة والكسرة من القرب والتناسب ما ليس بينهما وبين الفتحة ، فجاز أن يتكلّف نحو
ذلك بين الضمة والكسرة ، لما بينهما من التجانس فيما قد تقدم ذكره في صدر هذا
الكتاب ، وفيما سنذكره أيضا في أماكنه ، وهو مع ذلك قليل مستكره ، ألا ترى إلى
كثرة قيل وبيع وغيض ، وقلّة نحو : مذعور وابن بور
ولعلّ أبا
الحسن أيضا إلى هذا نظر في امتناعه من إعلال الواو في مذعور ، وتركها واوا محضة ، لأن له أن يقول إن
الحركة التي قبل الواو لم تتمكن في الإعلال والإشمام تمكن الفتحة في الإشمام نحو
عالم وقام ، ولا تمكّن الكسرة في قيل وبيع فلما كان الإشمام في مذعور ونحوه عنده
والعمل خلسا خفيا ، لم يقو على إعلال الواو بعده ، كما اعتلت الألف
في نحو عالم وقام ، والكسرة في نحو قيل وغيض فلذلك لم تعتلّ عنده الواو في مذعور
وابن بور ، وأخلصها واو محضة.
فهذا قول من
القوة على ما تراه ، وإن شئت فقل إن الضمة وإن نحي بها نحو الكسرة فلقربها منها
وبعدت الفتحة منها فلم يجز فيها ما جاز في الكسرة القريبة : فلما بطل ذلك في الضمة ، حملت الكسرة عليها ، لأنها
أختها ، وداخلة في أكثر أحكامها ، ويشهد لهذا القول أنهم أدغموا النون في الميم ،
لاشتراكهما في الغنّة والهويّ في الفم ، ثم إنهم حملوا الواو في هذا على الميم ،
بأنها من الشفة ، وإن لم تكن النون من الشفة.
ثم إنهم أيضا
حملوا الياء على الواو في هذا ، لأنها ضارعتها في المد ، وإن لم تكن معها من الشفة
، فأجازوا إدغام النون في الياء ، فالميم نحو قولهم : من معك؟
والواو نحو
قولهم : من وعدت؟ والياء نحو قوله عز اسمه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَقُولُ) ، فكما جاز حمل الواو على الميم ، ثم حمل الياء على
الواو فيما ذكرنا ،
__________________