فكذلك لو كان المعجم صفة لحروف لما جازت إضافتها إليه ، وأيضا فلو كان المعجم صفة لحروف ، لقلت المعجمة (١) ، كما تقول تعلمت الحروف المعجمة. فقد صحّ بما ذكرناه أن المعجم ليس وصفا لحروف.
والصواب في ذلك عندنا ما ذهب إليه أبو العباس محمد بن يزيد [المبرد] رحمه الله تعالى ، من أنّ المعجم مصدر ، بمنزلة الإعجام ، كما تقول أدخلته مدخلا ، وأخرجته مخرجا ، أي إدخالا وإخراجا.
وحكى أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش ، أن بعضهم قرأ : (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) [الحج : ١٨](٢) بفتح الراء ، أي من إكرام ، فكأنهم قالوا : هذه حروف الإعجام. فهذا أسدّ وأصوب من أن يذهب إلى أنّ قولهم حروف المعجم بمنزلة قولهم صلاة الأولى ومسجد الجامع ، لأن معنى ذلك صلاة الساعة الأولى أو الفريضة الأولى ، ومسجد اليوم الجامع ، فالأولى غير الصلاة في المعنى ، والجامع غير المسجد في المعنى أيضا ، وإنما هما صفتان حذف موصوفاهما ، وأقيمتا مقامهما ، وليس كذلك حروف المعجم ، لأنه ليس معناه حروف الكلام المعجم ، ولا حروف اللفظ المعجم ، وإنما المعنى أن الحروف هي المعجمة ، فصار قولنا حروف المعجم ، من باب إضافة المفعول إلى المصدر ، كقولهم : هذه مطية ركوب ، أي من شأنها أن تركب ، وهذا سهم نضال (٣) ، أي من شأنه أن يناضل به ، وكذلك حروف المعجم ، أي من شأنها أن تعجم. فاعرف ذلك.
وقد اعترض فصلنا هذا أمر لا بد من شرحه وإبانته بالاشتقاق.
اعلم أنّ (ع ج م) إنما وقعت في كلام العرب للإبهام والإخفاء ، وضد البيان والإفصاح.
__________________
(١) يقصد أن تطلق المعجمة على الحروف كما أطلق لفظ المعجم على الكتاب الذي يجمع هذه الحروف في ترتيب وتنسيق شديدين.
(٢) (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) : إن الذي يذله الله ويهنه لا يمكن أن يكرمه أحد أو يرفع من مكانته. واستخدام أسلوب الشرط يؤكد المعنى عن طريق تخصيص العز والذل بيد الله عز وجل.
(٣) سهم نضال : سهم صائب غالب. مادة (ن. ض. ل). اللسان (٦ / ٤٤٥٦).