وقد أجرت العرب أيضا الحرف مجرى الحركة ، في نحو قولهم : لم يخش ، ولم يسع ، ولم يرم ، ولم يغز ، فحذفوا هذه الحروف للجزم ، كما تحذف له الحركات في نحو لم يقم ولم يقعد.
وكذلك أيضا أجروا الحركة مجرى الحرف ، فأجازوا صرف هند : اسم امرأة معرفة ، فإذا تحرّك الأوسط منعوه الصرف معرفة البتّة ، وذلك نحو : قدم ، فصارت الحركة في منع الصرف بمنزلة الياء في زينب والألف في عناق ونحوهما في منع الصرف ، ولهذا نظائر (١) سنذكرها في مكانها إن شاء الله تعالى.
أفلا ترى إلى هذه الحروف كيف تتبع الحركات التي قبلها وهي أبعاض لها. فقد صحّ ما قدّمناه.
وإنما سمّيت هذه الأصوات النّاقصة حركات ، لأنها تقلق الحرف الذي تقترن به ، وتجتذبه نحو الحروف التي هي أبعاضها ، فالفتحة تجتذب الحرف نحو الألف ، والكسرة تجتذبه نحو الياء ، والضمة تجتذبه نحو الواو ، ولا يبلغ الناطق بها مدى الحروف التي هي أبعاضها ، فإن بلغ بها مداها ، تكمّلت له الحركات حروفا ، أعني ألفا وياء وواوا.
واعلم أن الحروف في الحركة والسكون على ضربين (٢) : ساكن ، ومتحرك.
فالساكن : ما أمكن تحميله الحركات الثلاث نحو كاف بكر ، وميم عمرو ، ألا تراك تقول : بكر وعمرو ، وبكر وعمرو ، وبكر وعمرو ، فلما جاز أن تحمّله الحركات الثلاث ، علمت أنه قد كان قبلها ساكنا.
والمتحرّك : هو الذي لا يمكن تحميله أكثر من حركتين ، لأن الحركة التي هي فيه قد استغني بكونها فيه عن اجتلابها له ، وذلك نحو ميم عمر ، يمكن أن تحملّها الكسرة والضمة ، فتقول : عمر ، وعمر ، ولا يمكنك أن تجتلب لها فتحة ، لأنها قد كانت في أوّل اعتبارك إيّاها مفتوحة ، والحرف الواحد لا يتحمّل حركتين ، لا متّفقتين ولا مختلفتين ، وإذا كانت الحركات ثلاثا : فتحة ، وكسرة ، وضمة.
__________________
(١) نظائر : أشباه ، ونظير الشيء أي : مثله ، مادة (ن. ظ. ر). اللسان (٦ / ٤٤٦٧).
(٢) ضربين : صنفين ، والضرب : الصنف. مادة (ض. ر. ب). اللسان (٤ / ٢٥٦٥).