فقد صحّ بما قدمنا أن كاف الجرّ قد تكون مرة اسما ومرة حرفا ، فإذا رأيتها في موضع تصلح فيه لأن تكون اسما ولأن تكون حرفا ، فجوّز فيها الأمرين ، وذلك نحو قولك زيد كعمرو ، فقد تصلح أن تكون الكاف هنا اسما ، كقولك زيد مثل عمرو ، ويجوز أن تكون حرفا ، كقولك زيد من الكرام ، فكما أن من حرف جرّ وقع خبرا عن المبتدأ ، فكذلك الكاف تصلح أن تكون حرف جرّ ، فإذا قلت : أنت كزيد ، وجعلت الكاف اسما ، فلا ضمير فيها ، كما أنك إذا قلت : أنت مثل زيد ، فلا ضمير في مثل ، كما لا ضمير في الأخ ولا الابن إذا قلت : أنت أخو زيد ، وأنت ابن زيد.
هذا قول أصحابنا ، وإن كان قد أجاز بعض البغداديين أن يكون في هذا النحو الذي هو غير مشتق من الفعل ضمير ، كما يكون في المشتق ، فإذا جعلت الكاف في قولك : أنت كزيد حرفا ، ففيها ضمير ، كما تتضمن حروف الجرّ الضمير إذا نابت عن الأفعال في قولك : زيد من الكرام ، ومحمد على الفرس.
واعلم أنه كما جاز أن تجعل هذه الكاف فاعلة في بيت الأعشى وغيره ، فكذلك يجوز أن تجعل مبتدأة ، فتقول على هذا : كزيد جاءني ، وأنت تريد : مثل زيد جاءني ، وكبكر غلام لمحمد ، فإن أدخلت «إنّ» على هذا قلت : إنّ كبكر غلام لمحمد ، فرفعت الغلام ، لأنه خبر إنّ ، والكاف في موضع نصب ، لأنها اسم إنّ ، وتقول إذا جعلت الكاف حرفا وخبرا مقدّما : إن كبكر أخاك. تريد : إن أخاك كبكر ، كما تقول : إن من الكرام زيدا.
واعلم أنّ أقيس الوجهين إذا قلت : أنت كزيد ، أن تكون الكاف حرفا جارا ، بمنزلة الباء واللام ، لأنها مبنية مثلهما ، ولأنها أيضا على حرف واحد ، ولا أصل لها في الثلاثة ، فهي بالحرف أشبه ، ولأن استعمالها حرفا أكثر من استعمالها اسما.
واعلم أن هذه الكاف التي هي حرف جارّ ، كما كانت غير زائدة فيما قدّمنا ذكره فقد تكون زائدة مؤكّدة ، بمنزلة الباء في خبر ليس ، وما ، ومن ، وغير ذلك من حروف الجرّ ، وذلك نحو قوله عز وجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١](١) ،
__________________
(١) أي أن الله عز وجل لا يشبهه شيء من خلقه ، فهو متفرد بذاته وصفاته وأفعاله. الشاهد فيه قوله عز وجل : (كَمِثْلِهِ) حيث إن الكاف الجارة زائدة للتوكيد.