وهي كذلك تؤدي وظيفة أخرى ، فقد أرسلها الله لواقح تنقل معها لقاح الأزهار الذكور للإناث.
والرياح تحرك الطواحين الهوائية وتصفي البيادر.
والرياح تنقل البذور من المناطق التي قد تجمعت فيها وتنثرها وتبسطها على الصحراء ، كأنّها فلاح مشفق ، فتغدو خضراء ممرعة بعد أن كانت يبابا.
والرياح تنقل السفن مع مسافريها وأثقالهم إلى نقاط مختلفة.
وحتى في هذا العصر الذي حلت الوسائل الحديثة «الماكنات» مكان الرياح ، فما تزال الرياح ذات أثر بالنسبة للسفن في اتجاهاتها المخالفة لها أو الموافقة لها ... سرعة وبطأ!
أجل ، أنّ الرياح مبشرات من جهات شتى.
ولذلك فنحن نقرأ في تعقيب الآية قوله تعالى : (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
أجل ، إنّ الرياح هي وسيلة لتكاثر النعم العديدة في مجال الزراعة والتدجين ، وهي وسيلة للحمل والنقل أيضا ، وأخيرا فهي سبب للازدهار التجاري.
وقد أشير إلى الموضوع الأوّل بجملة (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) وإلى الثّاني بجملة (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ) وللثالث بجملة (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ)!
والطريف هنا أن جميع هذه البركات منشؤها الحركة ، الحركة في ذرات الهواء في الفضاء الجوي لكن لا يعرف قدر أية نعمة حتى تسلب عن الإنسان! فيعرفها حينذاك. فما لم تتوقف هذه الرياح والنسائم ، فلا يعرف الإنسان ما ذا يحلّ به من بلاء؟!
فتوقف الهواء يجعل الحياة في أفضل الحقول كالحياة في أشد المطامير والسجون ظلمة! وعلى العكس فلو أن نسيما عليلا هب في خلايا السجون