فانظر كيف
عانينا طويلا فى شرح هذا الكلام الموجز الذى سبّب ما فيه من حذف وسوء تأليف شدة
خفائه وبعده عن الأذهان ، مع أن معناه جميل بديع ، وفكرته مؤيّدة بالدليل.
وإذا أردت أن
تعرف كيف تظهر القوة فى هذا الأسلوب ، فاقرأ قول المتنبى فى الرثاء :
ما كنت آمل
قبل نعشك أن أرى
|
|
رضوى على
أيدى الرجال يسير
|
ثم اقرأ قول
ابن المعتز :
قد ذهب الناس
ومات الكمال
|
|
وصاح صرف
الدّهر أين الرجال؟
|
هذا أبو العبّاس
فى نعشه
|
|
قوموا انظروا
كيف تسير الجبال
|
تجد أن الأسلوب
الأول هادى مطمئن ، وأن الثانى شديد المرّة عظيم القوة وربما كانت نهاية قوته فى
قوله ؛ «وصاح صرف الدهر أين الرجال» ثم فى قوله : «قوموا انظروا كيف تسير الجبال».
وجملة القول أن
هذا الأسلوب يجب أن يكون جميلا رائعا بديع الخيال ، ثم واضحا قويّا. ويظن الناشئون
فى صناعة الأدب أنه كلما كثر المجاز ، وكثرت التشبيهات والأخيلة فى هذا الأسلوب
زاد حسنه ، وهذا خطأ بيّن ، فإنه لا يذهب بجمال هذا الأسلوب أكثر من التكلف ، ولا
يفسده شرّ من تعمّد الصناعة. ونعتقد أنه لا يعجبك قول الشاعر :
فأمطرت لؤلؤا
من نرجس وسقت
|
|
وردا وعضّت
على العنّاب بالبرد
|
هذا ومن السهل
عليك أن تعرف أن الشعر والنثر الفنى هما موطنا
__________________