من الإخلاص والإيمان. إنه يعالج مشاكل المجتمع كما يكون له أثر حسن وعميق في نفس الباذل المنفق ، لأنه يرسخ فيها السجايا الإنسانية ويعمق مشاعر العطف واللطف والرفق والحبّ بما يستشعره من آثار إيجابية لإنفاقه ، وبما يسببه الإنفاق في رفع الآلام الاجتماعية ، وتوفير السعادة للآخرين.
أما إذا تبدلت هذه النسائم الرقيقة إلى رياح عاصفة لافحة ، أو زوبعة شديدة البرودة،فسوف تؤدي إلى إحراق جميع النباتات والأزهار أو تجميدها.
وهذا هو حال غير المؤمن في إنفاقه ، فإنه لا ينفق ماله بدافع صحيح ، بل ينفقه رياء وسمعة وأهواء وأهداف شريرة ، وبذلك يكون كالريح العاتية ، اللافحة أو الباردة ، تأتي على كلّ ما أنفقه كما تأتي على الزرع ، فتصيبه بالجفاف والفناء ، والدمار والهلاك.
إن مثل هذا الإنفاق لا يعالج أية مشكلة اجتماعية (لأنه صرف للمال في غير محله في الأغلب) كما لا ينطوي على أي أثر أخلاقي ونفسي للمنفق الباذل.
والذي يلفت النظر أن القرآن الكريم يقول في هذه الآية (حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) وهو يشير إلى أن هؤلاء المزارعين تعرضوا لما تعرضوا له لأنهم تساهلوا في إختيار مكان الزرع وزمانه ، ولأنهم زرعوا في أرض معرضة للرياح الشديدة ، أو أنهم اختاروا للزرع وقتا يكثر فيه هبوب رياح السموم ، وبهذا ظلموا أنفسهم ، وكذلك حال غير المؤمن في إنفاقه ، فإنه ظلم نفسه بإنفاقه غير الصحيح وغير المناسب من حيث الزمان والمكان والهدف، وبهذا عرض أمواله وثرواته للرياح.
من كلّ ما أشرنا إليه ، وبملاحظة القرائن الموجودة في الآية تبين أن هذا التمثيل لإنفاق الكفّار بالزرع الذي أهلكته الرياح العاصفة تمثيل به من ناحيتين :
الأولى : تشبيه لإنفاق الكافر بالزرع في غير محله وموسمه المناسب.
الثانية : تشبيه لنواياه وأهدافه من الإنفاق بالرياح العاصفة الباردة أو