وقد كان ممّا وفق له الرسول ونجح فيه أكبر نجاح ـ بعد هجرته إلى المدينة (يثرب) ـ هو تمكنه من وضع حد لتلك المعارك والمناوشات وتلك المذابح والمجازر ، وإقرار الإخاء مكان العداء وإحلال السلام محل الحروب ، وتشكيل جبهة متحدة متراصة الصفوف ، قوية البنيان والأركان في المدينة المنورة.
ولكن حيث أن جذور النزاع كانت قوية وعديدة جدا ، كان ذلك الاتحاد يتعرض أحيانا لبعض الهزات بسبب بعض الاختلافات المنسية التي كانت تطفو على السطح أحيانا فتشتعل نيران النزاع بعد غياب ، ولكن سرعان ما كانت تختفي مرّة اخرى بفضل تعليمات النبي العظيم صلىاللهعليهوآلهوسلم وحكمته ، وتدبيره.
وقد لاحظنا في الآيات السابقة نموذجا من تلك الاختلافات المتجددة التي كانت تبرز على أثر التحريكات التي كان يقوم بها الأعداء الأذكياء ، ولكن هذه الآيات تشير إلى نوع آخر من الاختلافات التي كان يسببها الأصدقاء الجاهلون ، والعصبيات العمياء والحمقاء.
يقال : افتخر رجلان من الأوس والخزرج هما «ثعلبة بن غنم» و «أسعد بن زرارة» فقال ثعلبة : منا خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، ومنا حنظلة غسيل الملائكة ومنا عاصم بن ثابت بن أفلح حمي الدين ، ومنا سعد بن معاذ الذي رضي الله بحكمه في بني قريظة ، وقال أسعد منا أربعة أحكموا القرآن : أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد ومنا سعد بن عبادة خطيب الأنصار ورئيسهم : فجرى الحديث بينهما فغضبا وتفاخرا وناديا فجاء الأوس إلى الأوسي ، والخزرج إلى الخزرجي ومعهم السلاح ، فبلغ ذلك النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم فركب حمارا وأتاهم ، فأنزل الله هذه الآيات فقرأها عليهم فاصطلحوا.