ولمّا كانت «أسلم» مستعملة في هذه الآية بالمعنى الأوسع للإسلام ، أي المعنى الذي يشمل النوعين من أوامر الله ، لذلك فهي تقول إنّ فريقا يسلم طوعا ـ كالمؤمنين ـ وفريقا يسلم كرها ـ كالكافرين ـ أمام القوانين التكوينية. وهكذا نجد أنّ الكافرين الذين يمتنعون عن التسليم أمام بعض أوامر الله مجبرين على التسليم أمام بعض آخر من أوامر الله. فلما ذا إذا لا يسلمون لجميع قوانين الله ودين الحقّ؟
هناك احتمال آخر في تفسير هذه الآية ذكره كثير من المفسّرين ، وإن لم يتعارض مع ما قلناه آنفا ، وهو : أنّ المؤمنين وهم في حال من الرفاه والهدوء يسيرون نحو الله بملء اختيارهم. أمّا غير المؤمنين فلا يسيرون نحو الله إلّا عند ما تحيق بهم البلايا والمشكلات التي لا تطاق ، فيدعونه ويتوسّلون إليه ، فمع أنّهم في الظروف العادية يشركون به ، فإنّهم في الشدائد والملمّات لا يتوجّهون إلّا إليه.
ويتضح ممّا تقدّم أن «من» في جملة (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تشمل الموجودات العاقلة وغير العاقلة ، فبالرغم من كونها تستعمل عادة للعقلاء ، إلّا أنها قد تكون عامّة للتغليب. و «طوعا» إشارة إلى الموجودات العاقلة المؤمنة ، و «كرها» إشارة إلى الكفّار وغير العقلاء.
(قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا) .... في هذه الآية يأمر الله النبيّ والمسلمين بأنّهم ، فضلا عن إيمانهم بما أنزل على رسول الإسلام ، عليهم أن يظهروا إيمانهم بكلّ الآيات والتعليمات التي نزلت على الأنبياء السابقين ، وأن يقولوا : إنّنا لا نفرّق بينهم من حيث صدقهم وعلاقتهم بالله.
إنّنا نعترف بالجميع ، فهم جميعا كانوا قادة إلهيّين ، وهم جميعا بعثوا لهداية الناس.إنّا نسلم بأمر الله من جميع النواحي ، وبذلك نقطع أيدي المفرّقين.