إنّ سبب هذا الحكم واضح ، فإن حقّ وضع القوانين والتشريعات يعود إلى الله ، فإذا قرّر أحد هذا الحقّ لغير الله فقد أشرك.
يقول المفسّرون في ذيل تفسير هذه الآية إنّ «عدي بن حاتم» الذي كان نصرانيا ثمّ أسلم ، عند ما سمع هذه الآية ، فهم من كلمة «أرباب» أنّ القرآن يقول إنّ أهل الكتاب يعبدون بعض علمائهم. فقال للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما كنّا نعبدهم يا رسول الله.
فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أما كانوا يحلّون لكم ويحرّمون فتأخذون بقولهم؟
فقال : نعم.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : هو ذاك (١).
في الواقع يعتبر الإسلام الرقّ والاستعمار الفكري نوعا من العبودية والعبادة لغير الله ، وهو كما يحارب الشرك وعبادة الأصنام ، يحارب كذلك الاستعمار الفكري الذي هو أشبه بعبادة الأصنام.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ «أرباب» جمع ، لذلك لا يمكن أن نقول إنّ المقصود هو النهي عن عبادة عيسى وحده. ولعلّ النهي يشمل عبادة عيسى وعبادة العلماء المنحرفين.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).
لو أنّهم ـ بعد دعوتهم دعوة منطقية إلى نقطة التوحيد المشتركة ـ أصرّوا على الاعتراض ، فلا بدّ أن يقال لهم : اشهدوا أنّنا قد أسلمنا للحق ، ولم تسلموا ، وبعبارة اخرى: فاعلموا من يطلب الحق ، ومن يتعصّب ويعاند. ثمّ قولوا لهم (اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) فلا تأثير لعنادكم وعصيانكم وابتعادكم عن الحقّ في أنفسنا ، وإنّا ما زلنا على طريقنا ـ طريق الإسلام ـ سائرون ، لا نعبد إلّا الله ، ولا نلتزم إلّا شريعة
__________________
(١) مجمع البيان : ذيل الآية المذكورة. تفسير نور الثقلين : ج ١ ص ٣٥٢.