المحراب من «الحرب» سمّي بذلك لأنّه موضع محاربة الشيطان والأهواء.
والآخر : إنّ المحراب صدر المجلس ، ثمّ أطلق أيضا على صدر المعبد. (كان بناء المحراب عند اليهود يختلف عن بنائه عندنا ، فأولئك كانوا يبنون المحراب مرتفعا عن سطح الأرض بعدّة درجات بين حائطين مرتفعين يحفظانه ، بحيث كانت تصعب رؤية من بداخل المحراب من الخارج).
والثالث : انه يطلق على كلّ المعبد ، وهو المكان الذي يخصّص للعبادة ومجاهدة النفس والشيطان.
كبرت مريم تحت رعاية زكريّا ، وكانت غارقة في العبادة والتعبّد. بحيث إنّها ـ كما يقول ابن عبّاس ـ عند ما بلغت التاسعة من عمرها كانت تصوم النهار وتقوم الليل بالعبادة، وكانت على درجة كبيرة من التقوى ومعرفة الله حتّى أنّها فاقت الأحبار والعلماء في زمانها(١). وعند ما كان زكريّا يزورها في المحراب يجد عندها طعاما خاصّا ، فيأخذه العجب من ذلك. سألها يوما : (يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا). فقالت : (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ).
الآية لا تذكر شيئا عن ماهيّة هذا الطعام ومن أين جاء ، لكنّ بعض الأحاديث الواردة في تفسير العيّاشي وغيره من كتب الشيعة والسنّة تفيد أنّه كان فاكهة من الجنّة في غير فصلها تحضر بأمر الله إلى المحراب. وليس ما يدعو إلى العجب في أن يستضيف الله عبدا تقيّا.
كما أنّ اعتبار «الرزق» طعاما من الجنّة يتبيّن من القرائن التي نراها في ثنايا الآية. فأوّلا كلمة «رزقا» النكرة دليل على أنّ زكريّا لم يعرف نوع هذا الرزق.
وثانيا جواب مريم التي قالت «من عند الله» دليل آخر. وثالثا انفعال زكريّا وطلبه
__________________
(١) تفسير مجمع البيان : ج ٢ ص ٤٣٦.