وقتال جميع المشركين (١).
الثاني : من أسباب النزول ما ورد عن ابن عباس أنّ هذه الآية نزلت في صلح الحديبيّة، وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا خرج هو وأصحابه في العام الذي أرادوا فيه العمرة ، وكانوا ألفا وأربعمائة ، فساروا حتّى نزلوا الحديبيّة فصدّهم المشركون عن البيت الحرام ، فنحروا الهدي بالحديبيّة ، ثمّ صالحهم المشركون على أن يرجع النبي من عامه ويعود العام المقبل ، ويخلوا له مكّة ثلاثة أيّام ، فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء ، فرجع إلى المدينة من فوره. فلمّا كان العام المقبل تجهّز النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه لعمرة القضاء ، وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك وأن يصدّوهم عن البيت الحرام ويقاتلوهم ، وكره رسول الله قتالهم في الشهر الحرام في الحرم ، فأنزل الله هذه الآية لتبيح للمسلمين القتال إن بدأهم المشركون به (٢).
والظاهر أن شأن النزول الأوّل يناسب الآية الاولى ، والثاني يناسب الآيات التالية،وعلى أية حال فإن مفهوم الآيات يدلّ على أنها نزلت جميعا بفاصلة قصيرة.
* * *
التّفسير
القرآن أمر في هذه الآية الكريمة بمقاتلة الذين يشهرون السلاح بوجه المسلمين،وأجازهم أن يواجهوا السلاح بالسلاح ، بعد أن انتهت مرحلة صبر المسلمين على الأذى،وحلّت مرحلة الدفاع الدامي عن الحقوق المشروعة.
تقول الآية : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ).
عبارة (فِي سَبِيلِ اللهِ) توضّح الهدف الأساسي من الحرب في المفهوم الإسلامي،فالحرب ليست للانتقام ولا للعلوّ في الأرض والتزعم ، ولا للاستيلاء
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ، المجلد ٥ ، ص ١٢٧.
(٢) مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٢٨٤ (ذيل الآية مورد البحث) وورد مثلها في تفاسير اخرى.