وبقي أن نقول : إن مما يحتمل المعنيين المتضادين قول النبي صلى الله عليه وسلم : «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام» فهذا الحديث يستخرج منه معنيان ضدان : أحدهما أن المسجد الحرام أفضل من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والآخر أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من المسجد الحرام بل تفضل ما دونها ، بخلاف المساجد الباقية ، فإن ألف صلاة تقصر عن صلاة واحدة فيه. ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه : «أطولكنّ يدا أسرعكن لحوقا بي». فلما مات صلوات الله عليه جعلن يطاولن بين أيديهن ، حتى ينظرن أيتهنّ أطول يدا ، ثم كانت زينب أسرعهن لحوقا به ، وكانت كثيرة الصدقة ، فعلمن حينئذ أنه لم يرد الجارحة وإنما أراد الصدقة. فهذا القول يدل على المعنيين المشار إليهما. ومن ذلك ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فلم يقل لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لم لا فعلته؟ وهذا القول يحتمل وجهين من التأويل ، أحدهما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على خلق من يصحبه ، والآخر أنه وصف نفسه بالفطنة والذكاء فيما يقصده من الأعمال ، كأنه متفطّن لما في نفس الرسول ، فيفعله من غير حاجة الى استئذانه. ومن ذلك ما ورد في أحد الأدعية النبوية ، فانه صلى الله عليه وسلم دعا على رجل من المشركين فقال : «اللهمّ اقطع أثره» وهذا يحتمل ثلاثة أوجه من التأويل : الأول أنه دعا عليه بالزّمانة ، لأنه إذا زمن لا يستطيع أن يمشي على الأرض ، فينقطع حينئذ أثره. الوجه الثاني : أنه دعا عليه بأن لا يكون له نسل من بعده ولا عقب. الوجه الثالث : أنه دعا عليه بأن لا يكون