بالتعليلات الكثيرة ، إذ يظهر أن علماء بغداد ، عندما وجدوا أن أسس النحو ومصطلحاته وقواعده قد اتّخذت شكلها النهائيّ على يد علماء البصرة والكوفة ، رأوا أنه لم يبق أمامهم للاستزادة سوى التعليلات (١).
وأشهر علماء بغداد النحويّين الزجّاجيّ ، وأبو عليّ الفارسيّ ، وابن جنّي ، والزّمخشريّ ، وابن الشجريّ ، وابن الأنباريّ ، والعكبريّ ، وابن يعيش ، والرضيّ الاستراباذيّ.
المدرسة الكوفيّة :
لا تذكر البصرة إلّا وتذكر معها الكوفة ، وإن كان لمدرسة البصرة فضل تأسيس النحو وتعليمه الكوفة ، فإنّ ازدهار النحو يعود إلى ما كان بين المدرستين من تنافس شديد ارتفع إلى درجة الخلاف حول كثير من ظواهر اللغة العربيّة.
وإن كانت الكوفة تعلّمت النحو من البصرة ، فإنّها ما لبثت أن اتّخذت لنفسها منهجا خاصّا فيه ، حتّى لا تكاد تجد مسألة من مسائل النحو إلّا فيها مذهبان : بصريّ وكوفيّ ، وهكذا شكّلت الكوفة مدرسة لنفسها متميّزة بالاتساع في رواية الأشعار ، وعبارات اللغة ، عن جميع العرب بدوا وحضرا ، في حين كان البصريّون يتحرّجون في الأخذ عمّن سكن من العرب في حواضر العراق.
وخالف الكوفيّون البصريّين في مسألة القياس ، وضبط القواعد النحويّة ، فقد اشترط البصريّون ، في الشواهد المستمدّ منها القياس ، أن تكون جارية على ألسنة العرب وكثيرة الاستعمال ، بحيث تمثّل اللغة الفصحى خير تمثيل ، أمّا الكوفيّون فقد اعتدّوا بأقوال وأشعار المتحضّرين من العرب ، كما اعتدّوا بالأشعار والأقوال الشاذّة التي سمعوها من الفصحاء العرب ، والتي نعتها البصريّون بالشذوذ ، وقد قيل : «لو سمع الكوفيّون بيتا واحدا فيه جواز مخالف للأصول ، جعلوه أصلا وبوّبوا عليه».
كل ذلك دفعهم إلى أن يدخلوا على القواعد الكليّة العامّة قواعد فرعيّة متشعبّة ، وربّما كان ذلك السبب في سيطرة النحو البصريّ على المدارس النحويّة ، وعلى النحو التعليميّ.
__________________
(٢) قالوا مثلا : ما علّة رفع «محمد» في قولك : «ضرب محمد زيدا» ، ثم أجابوا : لأنه فاعل ، ثم سألوا : «ولماذا رفع الفاعل ونصب المفعول ، ولم يكن العكس؟ فأجابوا مجدّدا ، وهكذا.