تنطبق عليها القاعدة (١) ، وإمّا أن يحكموا عليها بالشذوذ ، أو بالحفظ دون القياس عليها.
وقد غلّبت القياس على المسموع ، مؤوّلين الشواهد التي تخالف قياسهم ، كما قالوا بما سمّوه مطّردا في السماع شاذّا في القياس ، وذلك مثل «استحوذ» ، و «استصوب» ، والقياس فيهما الإعلال ، مثل «استقال» ، «استجاد» ، و «استطال» ، فقالوا : تحفظ الكلمات النادرة التي وردت عن العرب في هذا الباب ، ولا يقاس عليها ، ومنهم من ذهب إلى أنّ اتخاذ القياس ، والقول «استحاذ» ، و «استصاب» غير خطأ.
ومن أهم أعلام هذه المدرسة ابن أبي اسحق الحضرميّ ، وعيسى بن عمر الثقفيّ.
وأبو عمرو بن العلاء ، ويونس بن حبيب ، وقطرب ، وأبو عمر الجرميّ ، وأبو عثمان المازنيّ ، والمبرّد ، والزجّاج ، وابن السراج ، والسّيرافي ، والخليل بن أحمد. وسيبويه.
راجع : الخلاف بين البصريّين والكوفيّين.
المدرسة البغداديّة :
نشأ النحو في أحضان البصرة والكوفة ، وتطوّر على أيدي علماء البلدين حتّى وصل إلى درجة عالية من النضج والاستقرار.
وذهبت البصرة بالشهرة الكبرى في الميدان مع منافسة مريرة من قبل مدرسة الكوفة.
وعند ما رأس أبو العبّاس ، أحمد بن يحيى ، ثعلب ، علماء الكوفة ، ومحمد بن يزيد المبرّد علماء البصرة ، انتقل هذان العالمان للتعليم في بغداد ، فاشتدّ بينهما الصراع ، وكثرت المناظرات ، ممّا جعل الدارسين يقبلون عليهما كليهما ، ويأخذون عنهما معا ؛ ثم يتخيّرون من هذا وذاك ما يراه كل واحد مناسبا لتفكيره واتجاهه. وهكذا قامت المدرسة البغداديّة على مبدأ الانتخاب من آراء المدرستين البصرية والكوفيّة معا. وما كاد القرن الرابع الهجريّ يبدأ حتّى أخذت مدرسة بغداد تتميّز بمنهجها الخاص. ولم يكن هذا المنهج جديدا من حيث الأسس ، أو طرق الاستنتاج ، ولكنّه منهج يقوم على الانتقاء من المدرستين مع ميل إلى المدرسة الكوفيّة أشدّ حينا ، وإلى المدرسة البصريّة أكثر حينا آخر (٢) ، وأخذ
__________________
(١) قالوا مثلا الفاعل لا يأتي جملة ، فاصطدموا بنصوص عربيّة لا يرقى إليها الشك ، تثبت وقوع الجملة فاعلا ، فأوّلوها ، ومنها الآية : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) (يوسف : ٣٥) ، فقد قالوا فيها إنّ فاعل «بدا» ضمير مستتر تقديره : هو يعود على المصدر المفهوم من الفعل. والتقدير : «ثم بدا لهم بداء هو ...» ، وجملة «ليسجننه» تفسيريّة تفسّر هذا الضمير المستتر.
(٢) وافق ابن جنّي مثلا البصريّين في أن المصدر أصل والفعل مشتق منه ، وأن المبتدأ رافعه الابتداء ، وأنّ ناصب المفعول به هو الفعل السابق له ، وأنّ المضارع منصوب بعد «حتّى» بـ «أن» مضمرة وجوبا ، وكذلك ـ ـ بعد «او» وفاء السببيّة وواو المعيّة ، وأنّ العامل في باب التنازع هو الفعل الثاني ... ووافق الكوفيّين في أنّ «إن» النافية تعمل عمل «ليس» وأن «حاشى» في مثل «حاشى لله» فعل ، وفي جواز نحو : «ضرب غلامه محمّدا» ، وكان الجمهور يمنع ذلك لما يترتّب عليه من عودة الضمير المتصل بالفاعل على متأخر لفظا ورتبة ، كما يعتبر «حاشى» في مثل القول السابق اسما لا فعلا.