لأنّه لوكان له ثانٍ واستَغْنى عنه من كلّ وَجْهٍ ؛ لَما استَغْنى عنه في العَدَدِ ، وهو كونُهما اثْنينِ ، وقد فرضناهُ غَنِيّاً من كلِّ وَجْهٍ.
وأيضاً : لما تَميَّزَ الواحِدُ من اثْنينِ ، إذْ كانَ من كلّ وجهٍ مِثْلَهُ ، فبماذا يَتَمَيَّزُ منه ؟!
وإثباتُ ما لا يَتَمَيَّزُ يُفضي إلى الجهالاتِ.
وكما لا ثاني له ؛ فلا جُزْءِ له :
لأنّه لو كان له جُزْءَ ؛ لاحْتاجَ إلى ذلك الجُزْءِ ؛ فيكونُ محتاجاً إلى غيره ، وقد فرضناهُ غَنِيّاً من كُلّ أحَدٍ.
فقد ثَبَتَ أنّهُ واحِدٌ لا ثاني له ، ولا جُزْءَ له.
ولما ثَبَتَ غِناهُ وعِلمُهُ ؛ فكُلّ ما يجوزُ على المحتاج لا يجوزُ عليه :
فلا يحتاجُ إلى الجهَةِ ، لِيَشْغَلَها ؛ فلا يكونُ جَوْهَراً.
ولا إلى التَركيبِ ، فلا يكونُ جِسْماً.
ولا إلى المحلّ ، فلا يكونُ عَرَضاً.
ولا إلى الزَمانِ ؛ إذْ قد ثَبَتَ قِدَمُهُ ، فَبَطَلَ عَدَمُهُ.
ولا إلى المَكانِ ؛ إذْ هُوَ من لواحِقِ الجِسْمِ.
ولا يختارُ إلا ما هوَ صَلاح العِبادِ ؛ لأنّهُ لا يحتاجُ إلى فِعْله ، فلا بُدّ مِن أنْ يكونَ قد خَلَقَ الخَلْقَ لِغايةٍ تُؤدّي إليها حِكْمَتُهُ ، وتلكَ الغايَةُ تكونُ كمالَ خَلقِه.