تعالى (مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) وقوله (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) وقوله (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) والمراد والله أعلم بذلك الأمن من القتل وذلك أنه قد سأله مع رزقهم من الثمرات (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) وقال عقيب مسألة الأمن في قوله تعالى (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) ثم قال في سياق القصة (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) إلى قوله (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) فذكر مع مسألته الأمن وأن يرزقهم من الثمرات فالأولى حمل معنى مسألة الأمن على فائدة جديدة غير ما ذكره في سياق القصة ونص عليه من الرزق* فإن قال قائل إن حكم الله تعالى بأمنها من القتل قد كان متقدما لعهد إبراهيم عليه السلام لقول النبي صلىاللهعليهوسلم (إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار) يعنى القتال فيها* قيل له هذا لا ينفى صحة مسألته لأنه قد يجوز نسخ تحريم القتل والقتال فيها فسأله إدامة هذا الحكم فيها وتبقيته على ألسنة رسله وأنبيائه بعده ومن الناس من يقول إنها لم تكن حرما ولا أمنا قبل مسألة إبراهيم عليه السلام لما روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال (إن إبراهيم عليه السلام حرم مكة وإنى حرمت المدينة) والأخبار المروية عن النبي صلىاللهعليهوسلم في (أن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السموات والأرض وأنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي) أقوى وأصح من هذا الخبر ومع ذلك فلا دلالة فيه أنه لم تكن حرما قبل ذلك لأن إبراهيم عليه السلام حرمها بتحريم الله تعالى إياها قبل ذلك فاتبع أمر الله تعالى فيها ولا دلالة فيه على نفى تحريمها قبل عهد إبراهيم من غير الوجه الذي صارت به حراما بعد الدعوة والوجه الأول بمنع من اصطلام أهلها ومن الخسف بهم والقذف الذي لحق غيرها وبما جعل في النفوس من تعظيمها والهيبة لها والوجه الثاني بالحكم بأمنها على ألسنة رسله فأجابه الله تعالى إلى ذلك* قوله تعالى (وَمَنْ كَفَرَ) قد تضمن استجابته لدعوته وأخباره أنه يفعل ذلك أيضا بمن كفر منهم في الدنيا وقد كانت دعوة إبراهيم خاصة لمن آمن منهم بالله واليوم الآخر فدلت الواو التي في قوله ومن كفر على إجابة دعوة إبراهيم وعلى استقبال الأخبار بمتعه من كفر قليلا ولو لا الواو لكان كلاما متقطعا من الأول غير دال على استجابة دعوته فيما سأله وقيل في معنى أمتعه أنه إنما يمتعه بالرزق الذي يرزقه