اختلف النحاة في (كاد) إذا دخل عليها النفي على ثلاثة مذاهب :
الأول قوله : (وقيل يكون للإثبات) يعني يكون نفيها إثباتا ، وإثباتها نفيا سواء كان بلفظ الماضي أو المضارع ، واحتجوا في الماضي بقول العرب : (كاد النعام يطير) (١) والمعنى أنه لم يطر ، وبقوله تعالى : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ)(٢) وقد فعلوا ، وفي المضارع بقوله تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها)(٣) والمعنى لا أخفيها ، وبما روي أن ذا الرمة لما قدم الكوفة وأنشد قصيدته الحائية فقال :
[٦٩٩] إذا غير الهجر المحبين لم يكد |
|
رسيس الهوى من حب ميّة يبرح (٤) |
ناداه ابن شبرمة أراه قد برّح فشنق ناقته وجعل يفكر ثم قال :
إذا غير الهجر المحبين لم أجد |
|
ـ ... |
فقبل الاعتراض ، وما كان في ذلك الجمع من الفصحاء سكتوا
__________________
(١) ينظر المثل في مجمع الأمثال للميداني ٢ / ١٦٢.
(٢) البقرة ٢ / ٧١ وتمامها : (... قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ.)
(٣) طه ٢٠ / ١٥ وتمامها : (... لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى.)
(٤) البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ١١٩٢ ، ينظر المفصل ٢٣١ ، وشرح المفصل ٧ / ١٢٤ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٥٤٦ ، وشرح المصنف ١١٥ ، وشرح الرضي ٢ / ٣٠٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٣٧٨ ، واللسان مادة (رسس) ٣ / ١٦٤١ ، والأشموني ١ / ٦٨ ، والخزانة ٤ / ٧٤.
ويروى النأي بدل الهجر ، والرسيس : الشيء الثابت الذي لزم مكانه.
والشاهد فيه قوله : (لم يكد يبرح) حيث دخل النفي على يكد والتي قلبت معناها إلى المضي بلم ، وإذا سبق كاد بالنفي أفاد الإثبات ، وما ذهب إليه ذو الرمة صحيح بليغ كما قال في شرح الأشموني ١ / ١٣٤).