وسائر العلوم ، وكثر عددهم ، حتّىٰ إن أبا الحسن الوشّا قال لبعض أهل الكوفة : أدركت في هذا الجامع ، يعني : مسجد الكوفة ، أربعة آلاف شيخ من أهل الورع والدين ، كلٌّ يقول : حدثني جعفر بن محمد.
وبالجملة ، إن مساعي بني اُمية وبني العباس مباينة لمساعي بني علي؛ فهم علىٰ نهجين : دنيويّ محض ودينيّ ، ولكل آثار. وإن حب آثار النهج الأول متمركز في النفوس ، إلّا إن حبّ آثار الثاني له المكان السامي ، وهو غالباً يستلزم آثار الأوّل المباحة؛ لأن نطاق الإسلام واسع لا يمنع من تمركز في نفسه حبّ الدنيا أن يأتيه من طريقه المشروع ، بل هو السبب في نزول البركات وانصباب الخيرات؛ فكان باعثاً في الوَلوع في تحصيله وتعلم أحكامه.
فالطالب لضالّته المنشودة لم يجدها تامّة وافية صحيحة ، إلّا عند آل الرسول صلى الله عليه واله. فأتباعهم يأخذونها من عين صافية علىٰ يقين من إمامتهم ، قد قادهم رائد تديّنهم إلىٰ تقديم أعناقهم ، وبذل نفوسهم ضحايا في سبيل غايتهم؛ كعفيف الأزدي ، ورشيد الهجري ، وميثم التمار ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، وحجر بن عدي ، وأمثالهم.
ومن الشعراء ـ والشاعر في الأغلب مادّيّ ، وقد كانوا في زمان ملوكهم بين طمع وخوف ـ كالأمير أبي فراس الحمدانيّ ، والسيد الحميريّ ، والكميت ، لم يقدهم طمعهم إلى الباطل ، ولم يمنعهم