رجل منهم زملاءه بوجهه الثاني ، قائلاً : ليس الوحدة والاتّحاد إلّا أخلاق جبناء النفوس ، فعلىٰ ماذا تكونون أهل خير وثروة وعزّة وقوة وغيركم محروم؟ فلا سعي إلّا في المصالح الذاتيّة.
فما يهمّني إنْ قويت وضعفتهم؛ ولا يزعجني إنْ سلمت وهلكتم. فلا صلاح ولا نجاح إلّا ما وصل إلىٰ نفسي ، ولا يتفاوت الحال كأن طريقة التقاطع أو التواصل أو النميمة أو الفتن. فلا ردّ الوديعة واجب ، ولا الظلم حرام إذا كان هناك مصلحة شخصيّة توفر الماليّة.
إلىٰ غير ذلك من أهازيج الأقوال وسمادير (١) المقال ، فأخذ من الجهل جلبابه ، ومن الفتن دينه ومن النميمة ديدنه ، ومن ضغائن القلب وشحن الصدور ونكر النفس أخلاقه ، فهو علىٰ ضدّ الوحدة والاتّحاد ، والإخلاء التامّ الّذي جاء به الإسلام. لا يردع بقول زاجر ، ولا يزيده الوعظ إلّا عتوّاً وعناداً واستكباراً.
هذا كتاب الله يدعو إلى الاعتصام بالوحدة وينهىٰ عن الافتراق بقول : (واعْتَصِمُوا بَحَبْلِ اللهِ جَميِعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا) (٢).
ويقول : (ولَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيْحُكُم) (٣).
وهذه شمس العقل مشرقة وأنواره مضيئة ، تكشف عن ضرورة الاتّحاد ومضرّة الاختلاف. وهؤلاء الزعماء المصلحون حجج
__________________
(١) السمادير : ما يتراءىٰ للإنسان. لسان العرب : ٣٥٧ : ٦ ـ سمدر.
(٢) آل عمران : ١٠٣.
(٣) الأنفال : ٤٦.