ويشير إلى مناظرة جرت بينه وبين الربيع بن زياد في مجلس النعمان ، ويذكر أنه كان في المجلس أصناف شتى من الناس ويصفهم ، وغلب : تروى بالجرّ ، والرفع. الواحد أغلب ، وهو الغليظ العنق ، كالأسد. وهو خبر لمبتدأ محذوف أي : هم غلب ، يعود الضمير على القوم في المجلس. وتشذّر : أي : تتشذر : يريد ، يهدد بعضهم بعضا. والذحول : جمع ذحل ، وهو الحقد والضغن. ويروى (تشاذر) أي نظر بعضهم إلى بعض بمؤخر عينه. والبديّ : اسم مكان ، تضاف إليه الجنّ ، ورواسيا : حال ، وصرفه للضرورة ، ومعناها الثوابت. وأقدامها : فاعل بالرواسي. يصف خصومه بالقوة ، وكلما كان الخصم أقوى وأشدّ ، كان قاهره أقوى وأشدّ. ويعقّب على وصف خصومه بقوله في البيت التالي :
أنكرت باطلها وبؤت بحقّها |
عندي ولم يفخر عليّ كرامها |
وأنشدوا البيت شاهدا على أن الباء في قوله (بالذحول) للسببية.
(٣٥٧) فمضى وقدّمها وكانت عادة |
منه ـ إذا هي عرّدت ـ إقدامها |
البيت للشاعر لبيد من معلقته ، برقم (٣٣) وهو في سياق أبيات وصف فيها ناقته ثم شبهها بالحمار الوحشي. وهذا الحمار يسرع الجري في الصحراء بحثا عن الماء ، ومعه أتانه. يقول : فمضى : فاعله ضمير يعود على الحمار ، وقدّمها : أي جعل أتانه أمامه. وعرّدت : تركت الطريق وعدلت عنه.
واسم كان «إقدامها» في آخر البيت ، مصدر أقدم إقداما. وعادة : خبرها مقدم وهي محل الخلاف قال الكوفيون : إنه لما أولى كان خبرها ، وفرق بينها وبين اسمها ، توهم التأنيث فأنث. وكان الكسائي يقول : إذا كان خبر كان مؤنثا واسمها مذكرا ، وأوليتها الخبر ، فمن العرب من يؤنث ، كأنه يتوهم أن الاسم مؤنث ، إذا كان الخبر مؤنثا.
وقال غير الكسائي : إنما بنى كلامه على ، وكانت عادة تقدمتها ، لأن التقدمة ، مصدر قدّمها ، إلا أنه انتهى إلى آخر القافية ، فلم يجد التقدم تصلح لها ، فقال «إقدامها».
قال أبو أحمد : وعندي قول ثالث : وهو أن يكون اسم كان مستتر تقديره ، وكانت هذه الفعلة ، عادة منه ، وإقدامها : جواب إذا ، حذفت فاؤه الرابطه ، والتقدير : إذا هي عردت فإقدامها حاصل. أما قولهم : إن الشاعر توهم التأنيث ، فأنّث ، فهو مرفوض ، لأن الكلام لا يبنى على الوهم ، والشعراء أهل ذوق ، وهم يعرفون آخر كلامهم من أوله. وخير من