وقال آخر :
ناحت مطوّقة بباب الطاق |
فجرت سوابق دمعي المهراق |
والمطوّقة : الحمامة التي في رقبتها طوق. والطاق : البناء.
وقال أبو فراس :
أقول وقد ناحت بقربي حمامة |
أيا جارتا هل تشعرين بحالي |
ويربطون غالبا بين صوت الحمام والحزن لفراق الوطن والأحبّة ، ويسمعون في صوت الحمام نحيب الفقد ، وشجو الثكالى ، وأنين المتيمين ، ولكن أبا تمام الحكيم نبّه الشعراء إلى الحقيقة عند ما قال :
لا تشجينّ لها فإنّ بكاءها |
ضحك وإن بكاءك استغرام |
ولكن من الذي أعلم أبا تمام أن بكاءها ضحك ، أليست الحمامة خلقا من خلق الله ، يمكن أن تتألم للفقد ، وتحسّ بالوجد ، وقد أخبرنا الله أن هذه المخلوقات أمم أمثالنا ، وربما كان لها ، ما لنا من الفكر والأحاسيس ، وفي القرآن (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ..) الآية [النمل : ١٨] وهذا يدل على الوعي بالكوارث ، ومعرفة طرق الوقاية منها. وإن كان لها عقل مدبّر ، فمن الأقرب أن يكون لها أحاسيس. وإذا كنّا لا نفرق بين صوت الحزن ، وصوت الفرح ، فلا يعني ذلك أنه غير موجود. بل هو موجود ، ولذلك تعددت أحاسيس الشعراء بصوت الطيور ، فمنهم من يراه نواحا ، ومنهم من يراه خطبة ، ومنهم من يراه غناء ، ومنهم من رآه سجعا ، ومنه أخذوا اسم الكلام المسجوع. والموضوع طويل ، وممتع يستحقّ أن تكتب فيه رسالة بل كتاب.
(٣٠٨) ليت شعري هل ثم هل آتينّهم |
أم يحولنّ دون ذاك حمام |
منسوب للكميت بن زيد ، أو للكميت بن معروف. والشاهد (هل ثمّ هل) حيث أكّد هل الأولى بهل الثانية وفصل بينهما بحرف العطف «ثمّ». قال السيوطي : فإن كان المؤكّد ضميرا متصلا أو حرفا غير جواب ، لم يعد اختيارا إلا مع ما دخل عليه ، لكونه كالجزء منه ، نحو قمت قمت... إنّ زيدا إنّ زيدا قائم. أو مفصولا بفاصل ما ، ولو حرف عطف