من طعنه في كتاب العثمانية (٨) فيه ، فليس بقادح في الإجماع الحاصل على صحّته ، لأن القول الشاذّ لو أثّر في الإجماع ، وكذلك الرأي المستحدث لو أبطل مقدّم الاتّفاق ، لم يصحّ الاحتجاج بأجماع ولا ثبت التعويل على اتّفاق ، على أن السجستاني قد تنصل من نفي الخبر (٩).
فأمّا الجاحظ ، فطريقته المشتهرة في تصنيفاته المختلفة ، وأقواله المتضادّة المتناقضة ، وتأليفاته القبيحة في اللعب والخلاعة ، وأنواع السخف والمجانة ، الذي لا يرتضيه لنفسه ذو عقل وديانة ، يمنع من الالتفات إلى ما يحكيه ، ويوجب التهمة له فيما ينفرد به ويأتيه.
وأما الخوارج الّذين هم أعظم الناس عداوة لأمير المؤمنين عليهالسلام فليس يحكي عنهم صادق دفعا للخبر (١٠) ، والظاهر من حالهم حملهم له على وجه من التفضيل ،
__________________
الجاحظ المتكلّم المعتزلي ، وإليه تنسب الفرقةالجاحظية لجحوظ عينيه ، كان شنيع المنظر سيء المخبر ، رديء الاعتقاد ، ينسب إلى البدع والضلالات ، وربّما جاز به بعضهم إلى الانحلال ، حتى قيل في مثل : يا ويح من كفره الجاحظ » إنتهى.
(٨) رسالة من رسائل الجاحظ طرح فيها جملة من الآراء والمعتقدات الشاذة ، نقضها أبو جعفر محمّد بن عبدالله الإسكافي ( ت ٢٤٠ ه ) وهو من أكابر علماء المعتزلة ومتكلّميهم حيث يندر أن تخلو كتبهم من آرائه ، ويقال : أنّه صيف سبعين كتاباً في الكلام منها : « المقامات في مناقب أمير المؤمنين عليهالسلام » و « نقض العثمانية ».
وقد نقل ابن أبي الحديد المعتزلي جوانب متعدّدة من هذه الرسالة ونقضها.
اُنظر : شرح نهج البلاغة ٧ : ٣٦ ، ١٣ : ٢١٥ ـ ٢٩٤ ، ١٦ : ٢٦٤.
(٩) قيل : إن ابن أبي داود لم ينكر الخبر ، وإنّما أنكر كون المسجد الذي بغدير خُمّ متقدّماً ، وقد حكي عنه تنصّله من ذلك والتبرئ ممّا قذفه به محمّد بن جرير الطبري.
انظر : الشافي في الإمامة ٢ : ٢٦٤.
(١٠) قال السيّد المرتضى ـ رفع الله في الخلد مقامه ـ : « امّا الخوارج فما يقدر أحد على أن يحكي عنهم دفعاً لهذا الخبر ، أو امتناعا من قبوله ، وهذه كتبهم ومقالاتهم موجودة معروفة ، وهي خالية ممّا ادعي ، والظاهر من أمرهم حملهم الخبر على التفضيل وما جرى مجراه من ضروب تأويل مخالفي الشيعة ، وإنّما آنس بعض الجهلة بهذه الدعوى على الخوارج ما ظهر منهم فيما بعد من القول الخبيث في أمير المؤمنين عليهالسلام ، فظنّ أن رجوعهم عن ولايته