.................................................................................................
______________________________________________________
تقتضيه القواعد أن هذا يكون من باب «الإعمال» (١) فـ «كذب» يطلب الاسم على أنه فاعل و «عليك» يطلبه على أنه مفعول ، فإذا رفعنا الاسم بـ «كذب» كان مفعول «عليك» محذوفا لفهم المعنى ، التقدير : كذب عليكه الحج ، وإنما التزم حذف المفعول ؛ لأنه مكان اختصار ويحرف عن أصل وضعه ، فجرى لذلك مجرى الأمثال في كونها يلتزم فيها حالة واحدة لا يتصرف فيها ، وإذا نصبنا الاسم كان الفاعل مضمرا في «كذب» يفسره ما بعده على رأي سيبويه ، ومحذوفا على رأي الكسائي.
قال : وقال ابن طريف (٢) في «الأفعال» : وكذب عليك كذا أي : عليك به ، معناه : الإغراء ، إلا أن الشيء الذي بعد «عليك» يأتي مرفوعا ، وشكا عمرو بن معديكرب إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ المعص ، فقال : كذب عليك العسل (٣) ، والمعص : أن تشتكي العصب من كثرة المشي (٤) ، والعسل أن يمشي مشيا سريعا (٥). انتهى.
وشكا رجل النّقرس إلى عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ ، فقال : «كذبتك الطهارة» (٦) أي عليك بالمشي فيها ، ومنه الحديث «فمن احتجم يوم الخميس ويوم الأحد كذباك» (٧) أي عليك بهما ، وفي حديث علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ :«كذبتك الحارقة» (٨) قال أبو الهيثم (٩) : تقول : عليك بمثلها ، وقال الفراء : معنى ـ
__________________
(١) يعني «التنازع».
(٢) هو عبد الملك بن طريف الأندلسي أبو مروان النحوي اللغوي ، أخذ عن ابن القوطية ، وكان حسن التصرف في اللغة ، وله كتاب حسن في «الأفعال» وهو كبير بأيدي الناس. مات في حدود الأربعمائة.
انظر بغية الوعاة (٢ / ١١١).
(٣) انظر النهاية لابن الأثير (٤ / ١٢) واللسان (معص).
(٤) في اللسان (معص): «المعص : التواء في عصب الرجل».
(٥) انظر اللسان (معص) و (عسل).
(٦) انظر النهاية لابن الأثير (٤ / ١٢) والنّقرس : داء معروف يأخذ في الرجل ، وقيل : يأخذ في المفاصل. اللسان (نقرس).
(٧) انظر النهاية (٤ / ١٢) ، واللسان (كذب).
(٨) انظر النهاية لابن الأثير (٤ / ١٢) واللسان (حرق) والحارقة : المرأة التي تغلبها شهوتها ، وقيل :الضيقة الفرج.
(٩) أبو الهيثم الرازي كان إماما لغويّا أدرك العلماء وأخذ عنهم ، وتصدى بالرّيّ للإفادة ، توفي سنة (٢٧٦ ه). من مصنفاته : كتاب «الشامل» في اللغة ، و «الفاخر» في اللغة و «المؤلف» انظر نزهة الألباء (ص ١٤٧) ، وبغية الوعاة (٢ / ٣٢٩).