......
______________________________________________________
ومثال الثاني : قول سيبويه (١) : ولما هو كائن لم ينقطع ، ومنه قوله تعالى :(وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)(٢) وقال الطرماح :
٣٩٥٧ـ لم يفتنا بالوتر قوم وللضّي |
|
م رجال يرضون بالإغماض (٣) |
أي : المسامحة بترك الحق.
وتنفرد «لما» بأمرين :
أحدهما : وجوب اتصال نفيها بالحال ومن ثمّ امتنع أن يقال : لما يكن كذا ثم كان ، وإنما يقال : لما يكن كذا وقد يكون أو لا يكون ، قال :
٣٩٥٨ ـ فإن كنت مأكولا فكن خير آكل |
|
وإلّا فأدركني ولمّا أمزّق (٤) |
والثاني : جواز الاستغناء في الاختيار بذكر «لما» عن ذكر المنفي بها إذا دلّ عليه دليل كما تقول : ندم زيد ونفعه الندم ، وندم غيره ولمّا ، قال الشاعر :
٣٩٥٩ ـ فجئت قبورهم بدأ ولمّا |
|
فناديت القبور فلم يجبنه (٥) |
أراد : ولما أكن كذلك.
ولا يسلك مثل ذلك بـ «لم» إلا في الضرورة كقول الراجز :
٣٩٦٠ ـ يا ربّ شيخ من بكير ذي غنم |
|
أحلج لم يشمط وقد كاد ولم (٦) |
__________________
(١) انظر : الكتاب (٤ / ٢٢٠).
(٢) سورة مريم : ٤.
(٣) هذا البيت من الخفيف ، والإغماض : المسامحة والمساهلة ، واستشهد به الإمام بدر الدين على جواز انفصال نفي «لم» عن الحال فتنفي الماضي المنقطع حدثه عن زمن الحال نحو قولهم : لم يكن كذا ثم كان ، كما تنفي الماضي المتصل به وذلك نحو : «لم» في هذا البيت.
(٤) هذا البيت من الطويل ، وهو لممزق العبدي ، شاعر جاهلي لقب بالممزق لأجل هذا البيت.
كتبه عثمان بن عفان ـ رضي الله تعالى عنه ـ متمثلا به إلى علي كرم الله وجهه يدعوه إليه حين حاصره الخوارج ، وتوهم أنه بإغراء علي.
والشاهد فيه : «ولما أمزق» فإنه شاهد على وجوب اتصال نفي منفي «لما» بحال النطق ، بخلاف «لم» والبيت في العقد الفريد (٢ / ٣١) ، وأمالي الشجري (١ / ١٣٥) وأساس البلاغة (١ / ١٧) «أكل».
(٥) سبق شرحه.
(٦) هذا رجز لقائل مجهول.
الشرح : بكير : اسم قبيلة ، وأحلج : من الحلج وهو الحركة والاضطراب ، ويروى بالخاء وهو بمعناه ، والخلج والخلج ـ بالخاء مع تسكين اللام وتحريكها ـ داء يصيب البهائم تختلج منه أعضاؤها ، وقوله : لم يمشط : من شمط ـ بالكسر ـ يشمط شمطا ، والشمط في الرجل : شيب اللحية ، والشمط : بياض شعر الرأس يخالط سواده