.................................................................................................
______________________________________________________
ولا شك أن الشرط والجزاء في قوله تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) محققا الوقوع ، وإذا كانا بهذه الحيثية انتفت مشابهة الاستفهام ، وإذا انتفت مشابهة الاستفهام انتفى المسوغ للنصب ، والأولى أن يقال : اكتفى في النصب بصورة الأمر ، والأمر ينصب جوابه ، فلما اشتمل هذا التركيب على صورة أمر وجواب في اللفظ عومل بما يعامل به الأمر والجواب الحقيقيان.
وعلى هذا يقال : مجموع الكلام من الأمر والجواب هو الكناية عن سرعة الخلق والإيجاد ، لا القول وحده (١) ، وهذا النوع هو الذي يقال فيه عند أصحاب [٥ / ١٣١] علم «البيان» : إنه التمثيل على سبيل الاستعارة. وهو «المجاز المركب» عندهم.
وقال الشيخ (٢) : قول المصنف : (اللّازم لسقوطها الجزم) ، يشمل صورتين ، ويحترز به من صورتين : أما المشمولتان : فأن تكون «الفاء» دخلت على ما لا يقبل الجزم ، لكن لو حلّ مكانه ما يقبل الجزم لجزم نحو ما تقدم من قوله تعالى : (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ)(٣) وأن تكون «الفاء» قد دخلت على نفس المضارع فارتفع ، فلو حذفت الفاء لا يجزم الفعل على الجواب.
وأما الصورتان المحترز عنهما : فإحداهما : لا يلزم لسقوطها الجزم بل يجوز ، والثانية : لا يلزم بل يمتنع.
فالصورة الأولى : إذا نصبت ما قرن بالفاء بعد فعل الشرط قبل فعل الجزاء ، وكان الفعل المنصوب بعد «الفاء» قريبا من معنى الشرط ، فإنك إذا حذفت «الفاء» جاز الجزم على البدل من فعل الشرط ، وجاز الرفع على أن يكون الفعل في موضع الحال ، مثال ذلك : إن تأتني فتمشي إليّ وتحسن إلى خالد أحسن إليك ، فلا يجوز في «وتحسن إلى خالد» الجزم لأنه لو سقطت «الفاء» من : «فتمشي إليّ» لما تعين الجزم في : تحسن ؛ إذ يجوز فيه الجزم على البدل كما قلنا ، ويجوز الرفع على الحال.
والصورة الثانية : إذا كان ذلك الفعل ليس قريبا من معنى فعل الشرط ، فإنه إذا ـ
__________________
(١) في هذا الكلام رد من المؤلف على الشيخ أبي حيان الذي ذهب إلى أن القول في الآية كناية عن سرعة الخلق والتمكن من إيجاد ما يريد الله تعالى إيجاده معللا ذلك بأن المعدوم لا يؤمر.
(٢) انظر : التذييل (٦ / ٦٧٢ ، ٦٧٣) وقد تصرف فيما نقله عنه.
(٣) سورة البقرة : ٢٧١ ، وانظر : التذييل (٦ / ٦٦٦).