.................................................................................................
______________________________________________________
واقتدى في هذه المسألة بما ذكر أبو علي في الإغفال (١) رادّا على قول أبي إسحاق الزجاج في قوله تعالى : (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٢) ولو قيل : وتكتموا الحق لجاز على قولك : لم تجمعون بين ذا وذا؟ ولكن الذي في القرآن العزيز أجود في الإعراب (٣).
قال بدر الدين : وقد حكى ابن كيسان نصب الفعل جواب الاستفهام في نحو : أين زيد فنتبعه؟ وكم مالك فنعرفه؟ ومن أبوك فنكرمه؟ ولا أراه يستقيم على مأخذ البصريين إلا بتأويل ما قبل الفاء باسم معمول لفعل أمر دل عليه الاستفهام ، والتقدير : ليكن منك إعلام بموضع ذهاب زيد فاتباع منا ، وليكن منك إعلام بقدر مالك فمعرفة منا ، وليكن منك إعلام بأبيك فإكرام منا له ، وإذا كان مثل ذلك جائزا على ما ذكرنا فالذي قاله الزجاج هو الصواب.
وأما النفي : فكقولك : لا تأتيني فتحدثني ، فتنصب على تقدير : لا يكون منك إتيان فحديث وله معنيان (٤) :
أحدهما : أن يكون الإتيان سببا للحديث وهو منفي نفيا مطلقا ، فالحديث ممتنع لعدم سببه كأنه قال : أنت لا تأتيني فكيف تحدثني؟ فلو أتيتني حدثتني كما قال الله تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا)(٥).
والثاني : أن يكون الإتيان منفيّا بقيد اقتران الحديث به كأنه قال : لا تأتيني إلا لم تحدثني ، أو لا تأتيني محدثا أي : منك إتيان كثير بلا حديث كما تقول : [لا يسعني شيء ويعجز عنك](٦) ، ويجوز فيه الرفع على ثلاثة أوجه (٧) :
إما على التشريك كأنك قلت : ما تأتيني وما تحدثني.
وإما على السببية وبناء ما بعد الفاء على مبتدأ محذوف كما قال تعالى : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ)(٨) التقدير : فهم يعتذرون ، والمعنى : فكيف يعتذرون؟ ـ
__________________
(١) انظر الإغفال (ص ٤١٣ ، ٤١٤).
(٢) سورة آل عمران : ٧١.
(٣) انظر : معاني القرآن للزجاج (١ / ٤٣٥).
(٤) انظر : الكتاب (٣ / ٣٠).
(٥) سورة فاطر : ٣٦.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من النسختين وقد أكملته من شرح التسهيل لبدر الدين.
(٧) انظر : شرح الكافية للرضي (٢ / ٢٤٧).
(٨) سورة المرسلات : ٣٦.