.................................................................................................
______________________________________________________
ذلك بأن عمل الجر في الأصل إنما هو للحرف ، ولكن العرب تحذف حروف الجر في مواضع (١) ، وفي هذا الباب لما حذف الحرف ناب الاسم المضاف منابه فعمل عمله (٢). أشار إلى ذلك ابن عصفور في شرح الإيضاح.
وأقول : لا يخفى ضعف هذا الجواب. وأما السؤال فمدفوع من أصله ؛ وذلك أن العمل الذي يكون الاسم فيه محمولا على الفعل إنما هو العمل الذي يستحقه الفعل وهو الرفع والنصب ؛ ففي عمل هذين يقال : الاسم إنما يعمل لشبه الفعل ، وأما الجر فليس من مستحقات الفعل. ولا شك أن الجر أحد أنواع الإعراب الثلاثة التي تكون في الاسم ، فلا بد له من عامل ، والفعل لا مدخل له في عمل الجر ؛ فوجب أن يكون عمل الجر ناشئا إما عن حرف وإما عن اسم ، فكان العمل للحرف في نحو : نظرت إلى زيد ، ومررت بعمرو ، ورغبت في الخير ، وللاسم في نحو : غلام زيد ، وضارب عمرو ، وذلك أن موجب العمل الاقتضاء ، فإذا اقتضى شيء شيئا وجب أن يعمل فيه ؛ فالحرف اقتضى اسما يباشره ليوصل إليه معنى الفعل الذي تعلق به ، والاسم الذي هو المضاف اقتضى اسما يضاف هو إليه ليتخصص به ، فوجب أن يكون كل منهما عاملا في ما اقتضاه وكان العمل الجر ؛ لأن الرفع والنصب اللذين هما النوعان الآخران إنما يسبقهما الفعل وما أشبهه من الأسماء والحروف.
الرابع :
قد علم من كلام المصنف أن الإضافة ثلاثة أقسام : إضافة بمعنى «في». وإضافة بمعنى «من» ، وإضافة بمعنى اللام. فليعلم أن الإضافة التي بمعنى أحد هذه الأحرف الثلاثة هي الإضافة المحضة التي هي المعنوية. وأما الإضافة اللفظية فليست بمعنى حرف ؛ لأن المقصود بها إنما هو تخفيف اللفظ ، ومعنى الإضافة فيها مفقود ؛ فمن أين يجيء معنى حرفها؟ وكلام المصنف في هذا الكتاب وفي بقية كتبه يوهم أن الإضافة معنوية كانت أو لفظية تقدر بحرف ، وليس كذلك ؛ فكان الأولى أن يقول أولا : الإضافة لفظية ومعنوية ، والمعنوية إما بمعنى «في» أو «من» أو اللام ؛ ليعلم ـ
__________________
(١) يكثر ذلك ويطرد مع «أن» و «أنّ» نحو : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) ونحو : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ ،) وجاء في غيرهما نحو : (قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) أي قدرنا له. وراجع المغني (٢ / ١٧٢) ـ الأمير.
(٢) وهو مذهب سيبويه. راجع الكتاب (١ / ٢٠٩).