والشاهد : فلا والله نادى ، حيث حذف النفي قبل الماضي ، أي : فلا والله ما نادى ، فحذف النافي استغناء عنه بالأول. [الهمع / ٢ / ٤٤ ، والدرر / ٢ / ٥١ ، والخزانة / ١٠ / ٩٤ ، وشرح أشعار الهذليين / ٣ / ١٢٦٩].
(٣) كأنّي بك تنحطّ |
|
إلى اللّحد وتنغط |
وقد أسلمك الرهط |
|
إلى أضيق من سمّ |
هذا الكلام من قصيدة مسمّطة في المقامة الحادية عشرة ، من مقامات الحريري. وتنحطّ : مصدره الانحطاط : وهو الانحدار من علو إلى سفل ، يريد انتقاله من ظهر الأرض إلى بطنها ، وهو لحد القبور. وتنغطّ : من غطه في الماء إذا غمسه فيه ، يريد مواراته وتغطيته بالتراب. والرهط : قوم الرجل ، وقوله : إلى أضيق ، أي : إلى مكان أضيق. والسّمّ : الثقب ، ومنه قول الشاعر :
رحب الفلاة مع الأعداء ضيّقة |
|
سمّ الخياط مع الأحباب ميدان |
والحريري ، منسوب إلى الحرير ، لبيعه أو عمله ، عاش ٤٤٦ ـ ٥١٦ ه ، والخلاف جار بين النحويين في «كأنّ» في هذا الأسلوب :
أـ فقال قوم : أصله : كأني أبصرك تنحطّ ، فحذف الفعل ، وزيدت الباء «وكأنّ» معناها للتقريب.
ب ـ وقال قوم : كأنّ ، باقية على معنى التشبيه ، والباء أصلية ، والتقدير : كأنك تبصر بالدنيا ، أي : تشاهدها ، والجملة بعد المجرور بالباء حال ، أي : كأنك تبصر بالدنيا وتشاهدها غير كائنة ؛ لأنهم يقولون : كأني بالليل وقد أقبل ، والواو لا تدخل على الجمل إذا كانت أخبارا لهذه الحروف ، ويكون «بك» الخبر ، و «تنحط» حال.
ج ـ وقال الحسن البصري «كأنك بالدنيا لم تكن» ، وتقديره : إن حالك في الدنيا يشبه حالك زائلا عنها. ويكون «بالدنيا» ظرفا ، و «كان» تامّة ، وهي خبر كأنّ ، وإن كان الضمير للدنيا ، فيحتمل أن يكون بالدنيا الخبر و «لم تكن» في موضع نصب على الحال من الدنيا.
د ـ ويقولون : كأنك بالشتاء مقبل ، وكأنك بالفرج آت.