الجنوب ، والجنوب من رياح اليمن ، وفي قوله في نهاية البيت الأول : «وما يردّ سؤالي» ، و «دمنة» ، في مطلع البيت الثاني ، أقوال لا بأس بإيجازها ؛ لما فيها من التدريب للعقل على التفسير والربط. نقل البغدادي في خزانته / ٩ / ٥١٢ ، عن كتاب الشعر لأبي علي قوله : فأما قوله : «وما يردّ سؤالي دمنة قفرة» ، فإنّ «ما» تحتمل ضربين :
أحدهما : أن تكون استفهاما في موضع نصب ، كأنه قال : أيّ يرجع عليك سؤالك من النفع. وقد يقال : عاد عليّ نفع من كذا ، وردّ علي كذا نفعا ، ورجع عليّ منه نفع ، ويكون «دمنة» ، منتصبا بالمصدر الذي هو «سؤالي» ، والبيت على هذا مضمّن.
والآخر : أن يكون «ما» نفيا ، كأنه قال : ما يردّ سؤالي ، أي : جواب سؤالي ، «دمنة» فـ «الدمنة» فاعل «يرد» ، والتقدير : «وما يردّ جواب سؤالي دمنة» والبيت على هذا مضمّن أيضا ؛ لأن الفاعل الذي هو «دمنة» ، فعله في البيت السابق ، فيجوز أن يقول : «وما تردّ» ، فيؤنث على لفظ «دمنة» ، ويذكّر على المعنى.
وقال ابن السّيد البطليوسي في «شرح أدب الكاتب» : وسؤالي فهل تردّ سؤالي ، ويروى : «فما تردّ» ، و «لا تردّ» ، ويروى بالتاء والياء ، فمن روى : «فهل تردّ» ، على لفظ التأنيث ، رفع «دمنة» ، وجعلها فاعلا ، وجعل «سؤالي» مفعولا بتقدير مضاف ، أي : فهل تردّ جواب سؤالي دمنة.
ومن روى : «فهل يردّ» ، بلفظ التذكير ، نصب «دمنة» مفعولا ، وجعل «سؤالي» فاعلا ، ومعناه : إنّ سؤالي لا يردّ الدمنة إلى ما كانت عليه ، ومن روى : «ما» واعتقد أنها نفي ، جاز أن يقول : «تردّ» بلفظ التأنيث ، ويرفع دمنة لا غير ، وجاز أن يقول : «يردّ» ، بلفظ التذكير ، وينصب دمنة إن شاء ، ويرفعها إن شاء.
وإن اعتقد أن «ما» استفهام ، قال : «يردّ» ، على لفظ التذكير ، وجعل «ما» في موضع نصب بـ «يرد» ، و «سؤالي» في موضع رفع ، ونصب «دمنة» بسؤالي لا غير.
ومن روى : «ولا يردّ سؤالي» ، على لفظ التذكير ، نصب «دمنة» ، وإن شاء رفعها. ومن روى : «ولا تردّ» ، على لفظ التأنيث ، رفع دمنة لا غير.
قلت : وهذه التأويلات التي ذكرها العلماء ، تقدم لنا ذخيرة من الأساليب التعبيرية ، ولكنها لا تضع يدنا على ما قاله الشاعر. فالأعشى نطق بواحد من هذه الأساليب ، وأراد