سيرا رويدا ، وإنك قد تذكر الموصوف كما في المثال ، وقد تحذفه فتقول : سار رويدا. قال سيبويه : «هذا باب متصرف رويد» ، تقول : رويد زيدا ، وإنما تريد : أرود زيدا. وسمعنا من العرب من يقول : والله لو أردت الدراهم ، لأعطيتك ، رويد ، ما الشعر. يريد : أرود الشعر ، كقول القائل : لو أردت الدراهم ، لأعطيتك فدع الشعر ، فقد تبين لك أن «رويد» في موضع الفعل. ويكون «رويد» أيضا صفة ، كقولك : سار سيرا رويدا. ويقولون أيضا : ساروا رويدا ، فيحذفون السير ويجعلونه حالا ، به وصف كلامه ، اجتزاء بما في صدر حديثه من قوله «ساروا» عن ذكر السّير. ومن ذلك قول العرب : «ضعه رويدا» ، أي : وضعا رويدا. ومن ذلك قولك للرجل ، تراه يعالج شيئا : «رويدا» إنما تريد علاجا رويدا ، فهذا على وجه الحال إلا أن يظهر الموصوف ، فيكون على الحال وعلى غير الحال. اه.
وعلى هذا يكون قول الشاعر في البيت الشاهد : «رويدا» ، حالا من الضمير الواجب الاستتار في قوله : تشاوس.
وقوله : إنني من تأمّل : أي : أنا ذلك الذي تتأمله وتنظر إليه ، ومتى عرفتني ، عرفت أنه ليس لك أن تنظر لي نظر الكبر والغضب.
والشاهد في البيت : «كما لأخافه» ، حيث زعم الكوفيون أن الفعل المضارع الذي هو «أخافه» منصوب بـ «كما» ، التي هي في الأصل : «كيما» ، وليس هذا البيت حجة للكوفيين ؛ لأنه :
أولا : مروي بصورة «لكيما أخافه».
وثانيا : لأن الناصب هو «اللام» في قوله : «لأخافه» ؛ لأنها «لام» التعليل ، وهي تنصب بنفسها عندهم ، أو بـ «أن» مضمرة عند البصريين ، والقول بزيادة «اللام» لا دليل عليه.
والثالث : أنهم يقولون : إن «كي» لا تكون إلا مصدرية مثل «أن» ، فمجيء «اللام» بعدها ينقض هذه المقالة ؛ لأننا لو جعلنا «اللام» توكيدا لـ «كي» ، لم يصح ؛ لاختلاف معناهما ، فـ «كي» مصدرية و «اللام» للتعليل ، ولو جعلنا اللام بدلا من «كي» ، كانت كما في حكم الساقط من الكلام ؛ لأن المبدل منه على نية الطرح من الكلام ، ويكون العمل للبدل ، الذي هو «اللام» ، فيتعين عندهم أن تكون زائدة ، وهذا ما لم يقم عليه دليل. [الإنصاف / ٥٨٩ ، والحماسة / ٧٤٥ ، والبيت لأوس بن حجر].