البيت للشاعر جبار بن سلمى بن مالك ، وهو جاهلي. و «قرّ» : مرخم (قرّة). والإحماق : مصدر أحمق الرجل ، إذا ولد له ولد أحمق ، وكذا أحمقت المرأة. وأما «حمق» بدون همزة ، فهو من (الحمق) بالضم ، وهو فساد في العقل ، وهو من باب تعب ، ووصفه (حمق) بكسر الميم ، وأما «أحمق» ففعله ، (حمق) بالضم ، والأنثى (حمقى) وقوله : (على الإحماق) ، على : متعلقة بـ «خائفه» ، يقال : خفته على كذا ، أي : خفت منه. والمعنى : إنني كنت أرى من أبيك مخايل تدل على أنه يلد ولدا أحمق ، وقد تحقق بولادته إياك. ومثل هذا أبلغ من أن يقول له : أنت أحمق ؛ لأن ذلك يشعر بتحقق ذلك فيه ، أي : كان معروفا من أبيك قبل أن يلدك.
والشاهد : في لفظ «حيّ» ، فهو من قولك : هذا رجل حيّ ، وامرأة حيّة ، وهو يركب مع الاسم بعده في صورة مضاف ، وما بعده مضاف إليه. ويقع عليه الإعراب فتقول : (جاء حيّ فلان ، ورأيت حيّ فلان) ويذكر الفعل معه ، إذا كان المضاف إليه مذكرا ، ويؤنث ، إذا كان المضاف إليه مؤنثا. ولكن الإشكال في : هل هو المقصود بالإعراب والمعنى؟ أم أنّ المضاف إليه هو المقصود؟ فمنهم من قال : إنه لفظ زائد مقحم ، وأن المراد في البيت : (إن أباك خويلدا) على البدلية ، ومنهم من قال : إنه غير زائد من حيث المعنى. قال أبو أحمد : وأنا أميل إلى الرأي الثاني ؛ لأن دعوى الزيادة المطلقة التي لا تفيد معنى ، فيه ادعاء بأن اللفظ حشو ، وأنهم يحشون كلامهم بما لا فائدة فيه ، مع أن العرب لا يعرفون مضغ الكلام ، ومن خصائص كلامهم الإيجاز. والأصل في الكلام أن يفيد معنى ، والقول بالزيادة والحشوية صعب الإثبات ، بل كان يحتاج إلى معاصرة القائلين ، وسؤالهم عن مقصودهم وهذا لم يتحقق ، ويؤيد كونه يدل على معنى ، أنه لا يقال إلا قبل موت المضاف إليه. هذا وقوله : (حيّ أباك) ، حيّ : بدل ، أو عطف بيان من أباك ، وجملة «قد كنت خائفه» : خبر إنّ. وانظر مثل هذا البيت في حرف الراء (ألا قبح .. قبح الحمار). [الخزانة ج ٤ / ٣٣٤ ، وشرح المفصل ج ٣ / ١٣ ، والأشموني ج ٤ / ٤٣٣ ، والخصائص ج ٣ / ٢٨ ، واللسان «حيا»].
(٩٠) وكأن حيّا قبلكم لم يشربوا |
|
فيها بأقلبة أجنّ زعاق |
البيت للشاعر جّبار بن سلمى بن مالك ، وجاء بعد البيت السابق. و «حيّا» هنا ، بمعنى القبيلة. وأقلبة : جمع قليب ، بمعنى البئر. قال الرياشي : هذا يدل على تذكير القليب ؛ لأنه قال : أقلبة ، والجمع قلب ، ولكن جاء به على رغيف وأرغفة للجمع القليل ، والباء في