أرأيت؟ المرآة ، مفعول به ، فهي التي تمنح المرأة الوجه الجميل ، والقصيدة في المفضليات برقم (٤٠) ، والبيت الشاهد في مجموعة أبيات من القصيدة ، يصور فيها صورة رائعة للعداوة القاتلة ، يكنها له صاحبه المنافق ، وكيف يكبته ويقمعه ، يبدأ بالبيت الشاهد :
ربّ من أنضجت غيظا قلبه |
|
قد تمنى لي موتا لم يطع |
(٢٣١) ارحم أصيبيتي الذين كأنّهم |
|
حجلى تدرّج في الشّربّة وقّع |
البيت لعبد الله بن الحجاج الثّعلبي ، من قطعة يخاطب بها عبد الملك بن مروان ، ويعتذر إليه من صحبته لعبد الله بن الزبير ، وكان قد خرج معه ، شبه صبيتهم ـ لضعفهم عن الكسب ـ بحجل يتدرج من أماكنه ولا يطير ؛ لعجزه عن الطيران. والشرّبّة : موضع.
والشاهد : «حجلى» جمع الحجلة ، وهو طائر معروف ، وفيه «أصيبية» تصغير «أصبية» ، وقياس فعل أن يجمع على أفعله ، مثل رغيف وأرغفة ، لأنهم قالوا في جمع «صبيّ» : «صبية» فلما صغّر ردّ إلى أصله فصغره على «أصبية» ومثله غلام وغلمة ، يصغر «أغيلمة» ، وجمع القلة من جموع التكسير ، يصغّر لفظه ، ولا يرد إلى مفرده. [شرح المفصل ج ٥ / ٢١ ، و ١٣٤ ، واللسان «حجل»].
ورووا أن الشاعر لما قال لعبد الملك ، بعد البيت السابق :
أدنو لترحمني وتقبل توبتي |
|
وأراك تدفعني ، فأين المدفع |
قال عبد الملك : إلى النار. قال أبو أحمد : إن صحت الرواية : فقد أخطأ فيما قال عبد الملك. إن كان يريد نار الآخرة ، فهذه لا يملكها ، كما لا يملك لنفسه الجنة. وإن كان يريد نار الدنيا ، والعذاب الذي يلاقيه منه ، فهو مخطىء ، فلو أنّ سلاطين العرب قتلوا كلّ من خالفهم في الفتنة ، لفنى العرب. والمعروف أن الفتن التي تمت في تاريخ العرب ، لم ينتصر فيها من كان على حقّ كامل ، وإنما انتصر فيها من انتصر ، إما لضعف خصمه العسكري ، وإما لأن ناسا من أهل الحكمة رأوا حقن دماء المسلمين ، فلا يغترنّ سلطان بسلطانه ، وليكن واسع الصدر مع من ولّاه الله عليهم ، ولينظر بعين للآخرة التي لا يستطيع فيها أن يكذب على ربّه ، ولينظر بعين أخرى إلى التاريخ الذي سيكتب عنه ، وهو الذّكر الذي يخلد به في الدنيا ، وليعلم أنّ الذين يذكرون محامده في حياته خوفا ، لن يستطيعوا أن يفعلوا ذلك بعد موته.