.................................................................................................
______________________________________________________
للمجاوزة. وأما «رميت بالقوس» فالباء فيه للاستعانة ؛ فالمعنى مختلف وكل واحد من الحرفين مستعمل في موضوعه. وقد استدل الذاهبون إلى ذلك بقوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى)(١) قالوا : التقدير : بالهوى ، واستدلوا أيضا بقول امرئ القيس :
٢٥٢٧ ـ تصدّ وتبدي عن أسيل وتتّقي |
بناظرة من وحش وجرة مطفل (٢) |
أي : تصد بأسيل. وأجيب عن الآية الشريفة بأن المراد أن النطق خارج عن الهوى متجاوزه ؛ فمعنى المجاوزة ظاهر ، والمعنى : لا يصدر نطقه إلا عن وحي. هذا جواب الخضراوي (٣). وقال ابن أبي الربيع : وأما قوله سبحانه وتعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) فهو بمنزلة : أطعمتك عن جوع ؛ لأنه نفى ـ تعالى ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يكون نطقه كنطق غيره الذين ينطقون عن الهوى ؛ فهو كما يقول ما تكلم عن حرج (٤).
ولا يخفى على الناظر تطابق كلام هذين الرجلين. ولا شك أن ما ذكراه أحسن من قول ابن عصفور : إن المعنى وما يصرّف نطقه عن الهوى (٥). وأما قول الشاعر :
تصدّ وتبدي ... |
... |
فأجابا عنه بأن «عن» متعلقة بـ «تبدي» أي : وتبدي عن أسيل ، وليست متعلقة بـ «تصد» ، وإنما عدّي تبدي بـ «عن» لأنه إذا أبدى عن الشيء فقد صرف عنه ما يستره (٦). ومنهم (٧) من ذهب إلى التضمين [٤ / ٩] فضمن «وتبدى» معنى : وتزيل ؛ لأنها إذا أبدت فقد أزالت الستر ، فكأنه قال : تصد وتزيل الستر عن أسيل.
وأما التعليل فما استدل به المصنف على ذلك ظاهر وهو قوله تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ)(٨) وقوله تعالى : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ)(٩) ، وكذا ما ذكره من قول الشاعر :
٢٥٢٨ ـ ولا عن ريثهنّ يخيب
__________________
(١) سورة النجم : ٣.
(٢) من الطويل ، والأسيل : الخد السهل ، والناظرة : العين ، والبيت في ديوانه (ص ١٦).
(٣) التذييل (٤ / ٢٣) دون تعيين.
(٤) كالسابق.
(٥) التذييل (٤ / ٢٣).
(٦) المصدر السابق بلا تبيين.
(٧) في التذييل (٤ / ٢٣): (وقال بعض شيوخنا : وأما البصريون فيذهبون إلى التضمين).
(٨) سورة التوبة : ١١٤.
(٩) سورة هود : ٥٣.