.................................................................................................
______________________________________________________
القراء فويل للقاسية قلوبهم عن ذكر الله (١) فأوقع «عن» موقع «من» والمعنى واحد (٢) ، والله تعالى أعلم.
واستعمالها للبدل : كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)(٣) ، وكقول القائل : حج فلان عن أبيه ، وقضى عنه دينا ، وفي صحيحي البخاري ومسلم (٤) أن رجلا قال : يا رسول الله ، إنّ أمّي ماتت وعليها صوم أفأقضيه عنها؟
فقال : «لو كان على أمّك دين أكنت (قاضيه) (٥) عنها؟» قال : نعم. قال : «فدين الله أحقّ أن يقضى» (٦) ، ومنه قول الشاعر :
٢٥١٤ ـ كيف تراني قاليا مجنّي |
قد قتل الله زيادا عنّي (٧) |
أي : كأن قتل الله زيادا بدل قتلي إياه ، ومثله قول الآخر :
٢٥١٥ ـ حاربت عنك عدى قد كنت تحذرهم |
فنلت بي منهم أمنا بلا حذر (٨) |
واستعمالها للاستعلاء : كقول الشاعر :
٢٥١٦ ـ لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب |
عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني (٩) |
أراد : لا أفضلت في حسب عليّ أي : لم يعل حسبك على حسبي. ـ
__________________
(١) سورة الزمر : ٢٢ ، وراجع الكشاف (٤ / ٩٥).
(٢) قال الزمخشري في الكشاف (٤ / ٩٥): (إذا قلت : قسا قلبه من ذكر الله ؛ فالمعنى ما ذكرت من أن القسوة من أجل الذكر وبسببه ، وإذا قلت : عن ذكر الله ؛ فالمعنى غلظ عن قبول الذكر وجفا عنه) وقال الفراء في المعاني له (٢ / ٤١٨): (... كلّ صواب ، تقول : أتخمت من طعام أكلته وعن طعام أكلته ؛ سواء في المعنى ، وكأن قوله : قست من ذكره أنهم جعلوه كذبا فأقسى قلوبهم : زادها قسوة ، وكأن من قال : قست عنه يريد : أعرضت عنه).
(٣) سورة البقرة : ٤٨ ، ١٢٣.
(٤) مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري من أئمة المحدثين في صحيحه اثنا عشر ألف حديث وله المسند الكبير والجامع والأسماء والكنى وغيرها (ت ٢٦١ ه) وراجع : تذكرة الحفاظ (٢ / ١٥٠) ، وطبقات الحنابلة (١ / ٣٣٧) ، وفهرسة ابن خير (ص ٢١٢).
(٥) بالأصل : قاضيته.
(٦) عن ابن عباس رضياللهعنه وانظره في البخاري : الصوم (٤٢) ، وابن حنبل (١ / ٢٣٤) ، ومسلم : الصيام (١٥٥) بنصه.
(٧) رجز للفرزدق ويروي قالبا وقاليا بالموحدة وبالمثناة التحتية. وانظر ديوانه (ص ٨٨١) والأشموني (٢ / ٩٥) والمحتسب (١ / ٥٢).
(٨) من البسيط لابن المعتز ـ ديوان المعاني (١ / ٣٤٠) والمصون للعسكري (ص ٣٦).
(٩) من البسيط لذى الإصبع العدواني ، وراجع الخزانة (٣ / ٢٢٢) والخصائص (٢ / ٢٨٨) والمقرب (١ / ١٩٧).