[عن : معانيها ، وأحكامها]
قال ابن مالك : (ومنها : «عن» للمجاوزة ، وللبدل ، وللاستعلاء ، وللاستعانة ، وللتّعليل ، ولموافقة «بعد» ، و «في» ، وتزاد هي و «على» ، «والباء» عوضا).
______________________________________________________
قال : والصحيح عندي أن تكون الأحوال جمع حال لا جمع حول وكأنه قال : في ثلاث حالات ، ويكون المراد بالأحوال الثلاثة : نزول الأمطار بها ، وتعاقب الرياح فيها ، ومرور الدهور عليها. وإنما لم يسغ عندي ما ذهب إليه أبو الفتح ؛ لأن المضاف لا يحذف إلا إذا كان عليه دليل ، ولا دليل في البيت على ذلك المضاف الذي ادعى حذفه ؛ لاحتمال أن يكون مراده ما ذكرنا ؛ فلا يحتاج إذ ذاك إلى حذف ، ثم قال : وقد استعملت «في» زائدة في ضرورة الشعر ومن ذلك قول أبي سويد بن أبي كاهل (١) :
٢٥١٣ ـ أنا أبو سعد إذا اللّيل دجا |
يخال في سواده برندجا (٢) |
ألا ترى أن المعنى : يخال سواده برندجا ؛ إلا أن ذلك من القلة بحيث لا يقاس عليه. انتهى. ولا تتعين زيادة في هذا البيت ؛ إذ يجوز أن البرندج يخال في سواده ، إلا أن يفسر البرندج بشيء يوجب أن هو [السواد نفسه] (٣).
قال ناظر الجيش : قال المصنف (٤) : استعمال «عن» للمجاوزة أكثر من استعمالها في غيرها ، ولاقتضائها المجاوزة عدّي بها : «صدّ ، وأعرض ، وأضرب ، وانحرف ، وعدل ، ونهى ، ونأى ، ورحل ، واستغنى ، وعقل ، وسها ، وسلا» وكذلك عدّي بها رغب ، وحال» ، ونحوهما إذا قصد ترك المتعلق به نحو : رغبت عن اللهو ، وملت عن التواني ، وقالوا : رويت عن فلان ، وأنبأتك عنه ؛ لأن المروي والمنبأ به مجاوز لمن أخذ عنه ، ولاشتراك «عن ومن» في معنى المجاوزة تعاقبا في تعدية بعض الأفعال نحو كسوته عن عري ، ومن عري ، وأطعمته عن جوع ومن جوع ونزعت الشيء عنه ، ومنه ، ويقبل عنه ، ومنه ، ومنع عنه ، ومنه ، ومن هذا قراءة بعض ـ
__________________
(١) اليشكري أبو سعد شاعر مخضرم ، له عينية سميت في الجاهلية «اليتيمة» لما فيها من الأمثال توفي بعد (٦٠ ه) وراجع الأعلام (٣ / ٢١٥) ، والسمط (١ / ٣١٣) ، وطبقات الفحول (ص ١٢٨).
(٢) رجز. والبرندج ، والأرندج : جلد أسود. وإذا كانت «في» سببية فلا شاهد فيه ، وراجع : الأشموني (٢ / ٢١٩) ، والمغني (ص ١٧٠) ، والهمع (٢ / ٣٠).
(٣) بالأصل : نفس السواد ، وهو خطأ لغوي.
(٤) انظر شرح التسهيل لابن مالك (٣ / ١٥٨).