.................................................................................................
______________________________________________________
الأسرار ، وينطق لسانه بما فيه الحكمة والصواب. وبهذا المعنى الذي قرّره يظهر لك التفاوت بين في ، والباء في هذا المحل ؛ لأن الباء لا تفيد ما أفادته في حق كون هذا التدبير كالمنبع والمعدن وإنما تفيد السببية لا غير. وأما قول الشاعر :
٢٥٠٨ ـ وكلهم في حبال الغيّ منقاد
فيمكن أن يقال فيه : «في حبال الغيّ» ليس متعلقا بـ «منقاد» حتى تكون «في» بمعنى الباء ، وإنما «في حبال الغيّ» في موضع الحال من الضمير المستكن في «منقاد» ؛ التقدير : وكلهم منقاد كائنا في حبال الغيّ ، وهذا المعنى أبلغ ؛ فإنه يفيد استمرارهم في حبال الغيّ مع كونهم منقادين ، أما إذا جعلنا «في» بمعنى الباء فيصير التقدير : إنهم منقادون بحبال الغيّ ، يعنى : أنهم إذا حصل لهم انقياد ينقادون بحبال الغيّ ، وإذا لم يحصل لهم انقياد فقد تفارقهم الحبال.
وأما قول الآخر :
٢٥٠٩ ـ بصيرون في طعن الأباهر والكلى
فـ «بصيرون» ضمن معنى ماهرون ، أو متقدمون على غيرهم في ما ذكر ؛ لأن البصير بالشيء ماهر فيه ، ومتقدم فيه على غيره. قال ابن أبي الربيع : وفي جعل «في» في هذا الموضع فائدة ليست للباء لو ذكرت ؛ لأنه لو قال : بصيرون بهذا ؛ لم يقتض أكثر من العلم به ، وقد يكون بصيرا به فإذا كان وفيه ذهل خاطره عن ذلك لما هناك من الشدة فوصفهم بأنهم مع معرفتهم بأن الطعن في الأباهر والكلى أعظم الطعن ثابتو الخواطر عند الطعان ، و «في» تقتضي ثبوت خواطرهم (١).
وأما قول الأعشى :
٢٥١٠ ـ ربّي كريم ما يكدر نعمة |
وإذا تنوشد في المهارق أنشدا (٢) |
فقال ابن عصفور : «في المهارق» في موضع الحال والمجرور الذي يطلبه «تنوشد» محذوف ؛ التقدير : وإذا تنوشد بكلام الله تعالى في المهارق «أنشدا» أي : أجاب (٣). ـ
__________________
(١) التذييل (٤ / ٢١) من غير تعيين القائل.
(٢) البيت من الكامل ، والمهارق جمع مهرق : الصحف ، وقيل : حرير يصمغ ثم يكتب فيه ، وأنشده : أجاب طلبه ، وفي الأصل : وفي ، بدل «ربي» وهو تحريف. والبيت في ديوان الأعشى (ص ٢٢٩) برواية : «لا يكدر» بدل «ما يكدر».
(٣) التذييل (٤ / ٢١) دون ذكر لابن عصفور.