.................................................................................................
______________________________________________________
وأما موافقة «على» : فقد عرفت ما استدل به المصنف على ذلك من قوله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)(١) ، ولكن المغاربة لما ذكروا أن «في» تفيد الظرفية المعنوية أي : المجازية قالوا : ومن ذلك قوله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ؛) لأن تمكن المصلوب من الجذع الذي صلب فيه صيّره كالوعاء له والظرف. قالوا ومنه قول الشاعر :
٢٥٠٤ ـ بطل كأنّ ثيابه في سرحة
قال ابن أبي الربيع : وذكر القتبي (٢) أن «في» تكون مكان «على» تقول : لا تدخل الخاتم في أصبعي ، أي : على أصبعي وقال تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أي : عليها. قال : وهذا يرجع إلى ما ذكرت من الظرفية ؛ لأنه إذا صلب على الجذع فهو في الجذع ، وكذلك الخاتم إذا دخل على الأصبع فهو فيه بلا شك.
ومما استدل به قول العرب : نزلت في أبيك ، أي : على أبيك. وأجيب عنه بأن المراد : نزلت في كنف أبيك وظلّه (٣) ، وأما موافقة الباء فقد استدل المصنف على ذلك بقوله تعالى : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ)(٤) واستدل أيضا بقول الشاعر :
٢٥٠٥ ـ وكلّهم في حبال الغيّ منقاد
وبقول الآخر :
٢٥٠٦ ـ بصيرون في طعن الأباهر والكلى
وقول الآخر :
٢٥٠٧ ـ وخضخض فينا البحر حتّى قطعنه
فأما الآية الشريفة فليس فيها دلالة قاطعة على أن «في» بمعنى الباء. وقد قال الزمخشري (٥) : (يذرؤكم) يكثركم فيه ، أي : في هذا التدبير ، وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجا حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل ، ثم قال : فإن قلت : ما معنى «يذرؤكم» في هذا التدبير ، وهلا قيل : يذرؤكم به؟ قلت : جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير ؛ ألا تراك تقول : للحيوان في خلق الأزواج تكثير ، كما قال تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ)(٦). انتهى.
فانظر إلى هذا الرجل كيف يهديه الله تعالى إلى سبيل الرشاد ، ويطلعه على ـ
__________________
(١) سورة طه : ٧١.
(٢) التذييل (٤ / ٢١).
(٣) المصدر السابق.
(٤) سورة الشورى : ١١.
(٥) في الكشاف له (٤ / ١٦٦).
(٦) سورة البقرة : ١٧٩ ، والكشاف (٤ / ١٦٦).