.................................................................................................
______________________________________________________
وإذا بدأت بالخبر احتجت إلى مبتدأ ؛ لأنّ ذلك على جملتين ، ومن ثمّ علم أنّ سيبويه لا يقول ـ في نحو : «نعم الرجل زيد» ـ بأنّ المخصوص خبر مبتدأ محذوف فلا يصحّ نسبة ذلك إليه ، فإن قيل : كيف قال المصنف : وأجاز سيبويه كون المخصوص خبر مبتدأ واجب الإضمار؟ أجيب بأن المصنف عدل عارف بما ينقله ، فربّما فهم هذا من نصّ آخر لسيبويه في غير هذا الباب ، أو أخذه من ظاهر قوله ؛ إذ قال : نعم الرجل ، فقال : من هو؟ قال : عبد الله. فإن ظاهر هذا الكلام يعطي أنّ (عبد الله) جواب ، ولا يصحّ كونه جوابا إلّا بتقدير مبتدأ قبله.
واحتجّ ابن عصفور على أنّه لا يلزم فيه كونه مبتدأ ، والجملة خبرا (١) أعني في نحو : نعم الرجل زيد ، يقول العرب : نعم البعير جمل ، ونعم الإنسان رجل ، ونعم مالا ألف ، ومنه قوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : «نعم المال أربعون» (٢) ، فـ (أربعون) و (ألف) ، و (رجل) ، و (جمل) أخبار لمبتدآت مضمرة ، ولا يجوز أن تكون مبتدآت وما قبلها خبر لها ، إذ لا مسوغ للابتداء بها ، وإذا ثبت جعله خبر مبتدأ محذوف لفهم المعنى فلا مانع من جواز جعله مبتدأ والخبر محذوف لفهم المعنى (٣) ، قال الشيخ : وما ذكره من أنه لا مسوغ غير صحيح ، بل ثمّ مسوّغان :
أحدهما : ذكره هو في باب المبتدأ والخبر ، وهو أن تكون النكرة لا تراد لعينها ، نحو : رجل خير من امرأة ، وتمرة خير من جرادة (٤) والنكرات التي مثّل بها مع (نعم) وفاعلها لا يراد شيء منها لعينه ، وإنّما حكم على واحد من الجمال بأنه نعم ـ
__________________
(١) في التذييل والتكميل (٤ / ٥٤٠): «وقال ابن عصفور : الذي يدلّ على أنّه يعني المخصوص ـ إذا تأخر لا يلزم فيه أن يكون مبتدأ والجملة خبر ، قولهم : نعم البعير جمل ... إلخ». اه.
(٢) هذا الحديث في الجامع الكبير للسيوطي (١ / ٨٥٥ ، ٨٥٦) ولفظه : «نعم المال الأربعون ، والكثير ستون ، وويل لأصحاب المئين.
اللغة : القانع : الذي يقنع بما يعطى ، ولا يسأل ، ولا يتعرض ، والمعتر : السائل ، أو المتعرض.
والشاهد في الحديث : قوله صلىاللهعليهوسلم : «نعم المال أربعون» أي أن قوله : «أربعون» خبر لمبتدأ محذوف وليس مبتدأ ؛ لأنه نكرة ولا مسوغ للابتداء به ، أما على رواية الجامع الكبير المذكورة : نعم المال الأربعون ، فلا شاهد هنا ؛ لأنه معرف بـ (أل) فيجوز إعرابه مبتدأ.
(٣) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٥٤٠) ، ومنهج السالك (ص ٣٩٧).
(٤) هذا قول مأثور لعمر بن الخطاب رضياللهعنه ، قاله حينما جاءه رجل فسأله عن جرادات قتلها ، وهو محرم ، فقال لكعب : تعال حتى تحكم فقال كعب : درهم ، فقال عمر لكعب : إنّك لتجد الدراهم ، لتمرة خير من جرادة. اه.