.................................................................................................
______________________________________________________
وجعل المصنف من ذلك قوله تعالى : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ)(١) حتّى قال : إنّهم يقرؤون ذلك بالرّفع ، إلّا من لقّن النّصب ، وابن عصفور جعل هذه الآية من القسم الّذي لا يتصوّر فيه الاتصال (٢) ، ومقتضى كلام المصنّف عكس ذلك (٣).
وأما أمثلة القسم الثّاني ، وهو الّذي لا يصحّ فيه إغناء المستثنى عن المستثنى منه فمنها قولهم : ما زاد إلّا ما نقص وما نفع إلّا ما ضرّ ، ففي (زاد) ، (ونفع) ضميران فاعلان والمعنى : لكنّه نقص ، ولكنّه ضرّ ، وما مصدرية ، وتقديره : إلّا النقص وإلّا الضّرّ. وزعم السيرافي أنّ المصدر المقدّر مبتدأ محذوف الخبر ، كأن قال : ما زاد النّهر لكن النقصان أمره ، وما نفع زيد لكنّ الضرّ شأنه.
وأقول : هذا منه إن لم يكن قصد به تفسير المعنى ، كان على رأي من جعل إلّا في المنقطع قامت مقام لكن لفظا ، وينصب ما بعدها بها نفسها ، وقدّر لها خبرا محذوفا ، وقد تقدّم الكلام عليه وجعل الشّلوبين (ما زاد إلّا ما نقص) من قبيل المتّصل ، وقال : المصدر هنا مفعول به حقيقة والعامل فيه (زاد) وتقديره : ما زاد شيئا إلّا النقصان ، ثمّ حذف شيئا وفرّغ زاد لما بعد (إلّا) ، وردّ بأنّ النقصان لا نسبة بينه وبين الزّيادة ، وكذلك لا نسبة بين الضّرّ والنّفع وفيه نظر ، ومنها أيضا قوله تعالى :
(لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ)(٤). قال المصنّف (٥) : (مَنْ رَحِمَ) لا يجوز فيه الإتباع ؛ لأنّ الاستغناء به عمّا قبله ممتنع إلّا بتكلّف ، وأقول : هذا الذي قرّره على أحد الأوجه المتقدمة وهو : لا عاصم إلّا المرحوم ومنها قول الشاعر :
١٦٩٢ ـ ألا لا مجير اليوم ممّا قضت به |
|
صوارمنا إلّا امرأ [دان] مذعنا (٦) |
__________________
(١) سورة النساء : ١٥٧. (٢) المقرب لابن عصفور (١ / ١٧١).
(٣) ينظر : الكتاب (٢ / ٣٢٦).
(٤) سورة هود : ٤٣.
(٥) شرح التسهيل (٢ / ٢٨٧).
(٦) لم ينسب البيت لقائل معين ، ولم أهتد إلى قائله ، والبيت من الطويل.
اللغة : الصوارم : جمع صارم وهو السيف القاطع ، والرجل الصارم : الجلد الشجاع.
والشاهد في البيت : وقوع (امرأ) مستثنى من مجير ، وهو استثناء منقطع ؛ لأن المرء المذعن لا يكون مجيرا والاستثناء في صورته هذه لا يمكن استغناؤه منه.
ينظر : التذييل والتكميل (٣ / ٥٥٣) ، وفي الملخص لابن أبي الربيع (١ / ٣٦٣) ما لا يتصور فيه الاتصال بمجاز ، فلا يكون فيه إلا النصب ومنه قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) إذا كان