.................................................................................................
______________________________________________________
يقرب من حيث النظر فإنّ المنازعة في فعلية (نعم) و (بئس) دون إسناد تكون مكابرة وزيفا عن الحق ، أما القول باسميتهما بعد الإسناد فيمكن بالتوجّه الذي تقدم ذكره على أنّ الحقّ خلاف ذلك (١).
فإن قيل : لو كان الأمر كما قاله ابن عصفور لم يحسن استدلال المخالف في الفعلية بقوله : «بنعم طير» فإنّ (نعم) لم تكن في هذا البيت متنكرة. فالجواب : أن يقال :إنّ المخالف لم يستدل بهذا البيت ، وإنّما استدلّ بقولهم : «ما هي بنعم الولد» وبقولهم : «على بئس العير». نعم ، المصنف ذكر استدلال المخالف في الفعلية بقوله :«بنعم طير» أيضا ؛ لأنّ الطريقة التي ذكرها تتضمن أنّ المخالف يقول باسميّة (نعم) و (بئس) على الإطلاق ، وأما ابن عصفور فلم يذكر بـ «نعم بال» من قول الشاعر :
١٩٩٢ ـ فقد بدّلت ذاك بنعم بال |
|
وأيام لياليها قصار (٢) |
على وجه الاستدلال ، بل قال : لمّا ذكرت أنّ (نعم) فعل ، خفت أن يتوهم من هذا البيت أنّها ليست بفعل بدليل إضافتها إلى ما بعدها. قال : والجواب عن ذلك : أنها لم تضف حتى يغلب عليها من الفعلية وسمّي بها ، وحكيت بعد التسمية كما فعل بـ (دبّ) و (شبّ) في قولهم : «ما رأيته من شبّ إلى دبّ» (٣) وب (قيل) و (قال) فيما يؤثر عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم من أنّه نهى عن (قيل) و (قال) (٤). ثمّ قال : ومثل بـ «نعم بال» ، و «بنعم طير» ، من قول الآخر :
١٩٩٣ ـ صبّحك الله بخير ... |
|
... البيت ـ
|
__________________
(١) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٤٤٦).
(٢) البيت من الوافر ، وقد نسب لعدي بن زيد وليس في ديوانه.
والشاهد فيه : قوله : «بنعم بال» على أنّ (نعم) اسم بدليل إضافتها إلى ما بعدها. وفي المقرب (١ / ٦٥) :وهي في الأصل (نعم) التي هي فعل سمي بها وحكيت على حدّ قولهم : ما رأيته مذ شب إلى دب.
ينظر الشاهد أيضا في : منهج السالك (ص ٣٨٧) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٤٤١). والمقرب (١ / ٦٥).
(٣) يعني أنهما جعلا اسمين ، وحكى فيهما لفظ أصلهما وهو الفعل في المستقصى للزمخشري (١ / ٢٥٧) :«ويروى من شبّ إلى دبّ ، بغير تنوين على طريق حكاية الفعل». اه.
وفي جمهرة الأمثال للعسكري (ص ٥٣): «بمن شبّ إلى دبّ : أي من لدن شببت إلى أن دببت هرما». اه.
(٤) هذا الحديث في الجامع الصغير (ص ٧٠) ولفظه : «عن المغيرة بن شعبة رضياللهعنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله حرم عليكم عقوق الأمهات ، ووأد البنات ومنع وهات ، وكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال وإضاعة المال». اه. ومعنى : قيل وقال ، أي : كره الاشتغال بنقل الأخبار ، من غير تمييز بين صحيحها وسقيمها. اه.