فثبت أن الأصل في الأمر للمواجه [في نحو افعل] أن يكون باللام نحو لتفعل كالأمر للغائب ، إلا أنه لما كثر استعمال الأمر للمواجه في كلامهم وجرى على ألسنتهم أكثر من الغائب استثقلوا مجيء اللام فيه مع كثرة الاستعمال فحذفوها مع [٢١٥] حرف المضارعة طلبا للتخفيف ، كما قالوا «أيش» والأصل : أيّ شيء ، وكقولهم «عم صباحا» والأصل فيه : أنعم صباحا ، من نعم ينعم بكسر العين في أحد اللغتين ، وكقولهم «ويلمّه» والأصل فيه : ويل أمّه ، إلا أنهم حذفوا في هذه المواضع لكثرة الاستعمال ، فكذلك هاهنا : حذفوا اللام لكثرة الاستعمال ؛ وذلك لا يكون مزيلا لها عن أصلها ولا مبطلا لعملها.
ومنهم من تمسك بأن قال : الدليل على أنه معرب مجزوم أنا أجمعنا على أن فعل النّهي معرب مجزوم نحو «لا تفعل» فكذلك فعل الأمر نحو «افعل» لأن الأمر ضد النهي ، وهم يحملون الشيء على ضده كما يحملونه على نظيره ، فكما أن فعل النهي معرب مجزوم فكذلك فعل الأمر.
ومنهم من تمسك بأن قال : الدليل على أنه معرب مجزوم بلام مقدرة أنك تقول في المعتلّ «اغز ، وارم ، واخش» فتحذف الواو والياء والألف كما تقول «لم يغز ، ولم يرم ، ولم يخش» بحذف [حرف] العلة ؛ فدل على أنه مجزوم بلام مقدرة.
قالوا : ولا يجوز أن يقال «إن حرف الجرّ لا يعمل مع الحذف فحرف الجزم أولى ؛ لأن حرف الجرّ أقوى من حرف الجزم ؛ لأن حرف الجرّ من عوامل الأسماء ، وحرف الجزم من عوامل الأفعال ، وعوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال ، فإذا كان الأقوى لا يعمل مع الحذف فالأضعف أولى» لأنا نقول : قولكم «إن حرف الجرّ لا يعمل مع الحذف» لا يستقيم على أصلكم ؛ فلا يصلح إلزاما لكم ؛ فإنكم تذهبون إلى أن «ربّ» تعمل الخفض مع الحذف بعد الواو والفاء وبل ، وإعمالها بعد الواو نحو قول الراجز :
وبلد عامية أعماؤه |
|
كأنّ لون أرضه سماؤه [٢٣٦] |
______________________________________________________
جدى ، وكذلك أجداه : أي أعطاه ، وفلان قليل الجدا على قومه ، وقال أبو العيال الهذلي :
بخلت فطيمة بالذي توليني |
|
إلا الكلام ، وقلما تجديني |
وقوله «لتبعد» أراد لتهلك فما في حياتك خير ، ونأي : بعد ، وقوله «فلا أشقى عليك ولا أبالي» يريد إن هلكك يذهب عني ما أنا فيه من الشقاء بحياتك. ومحل الاستشهاد بالبيت قوله «لتبعد» حيث أمر المخاطب بالفعل المضارع المبدوء بتاء المضارعة المقرون بلام الأمر ، على نحو ما قررناه في شرح الشاهد السابق.