وقال الآخر :
[٣٤٧] فلتكن أبعد العداة من |
|
الصّلح من النّجم جاره العيّوق |
وقال الآخر :
[٣٤٨] لتبعد إذ نأى جدواك عنّي |
|
فلا أشقى عليك ولا أبالي |
______________________________________________________
«لتأخذوا مصافكم» ولأنك تقول : اغز واخش وارم واضربا واضربوا واضربي كما تقول في الجزم ، ولأن البناء لم يعهد كونه بالحذف ، ولأن المحققين على أن أفعال الإنشاء مجردة عن الزمان كبعت وأقسمت وقبلت ، وقد أجابوا عن كونها ـ مع ذلك ـ أفعالا بأن تجردها عارض لها عند نقلها عن الخبر ، ولا يمكنهم ادعاء ذلك في نحو قم ؛ لأنه ليس له حالة غير هذه ، وحينئذ فتشكل فعليته. فإذا ادعى أن أصله «لتقم» كان الدال على الإنشاء اللام ، لا الفعل» وهو كلام دقيق ، وفيه كل ما ذكره المؤلف عنهم وزيادة ، فاحرص عليه.
[٣٤٧] النجم : أراد به ههنا الثريا ، والعيوق ـ بفتح العين وتشديد الياء مضمومة ـ قال الجوهري : «نجم أحمر مضيء في طرف المجرّة الأيمن ؛ يتلو الثريا ، ولا يتقدم ، وأصله فيعول ، فلما التقى الياء والواو والأولى ساكنة صارتا ياء مشددة» اه. وفي قوله «من النجم» إشكال ، فإن «من» التي تدخل على المفضول إنما تلحق أفعل التفضيل إذا كان نكرة ، تقول : زيد أشرف منك نسبا ، وأضوأ منك وجها ، فإذا ألحقت أل بأفعل التفضيل أو أضفته لم تأت بمن مع المفضول ، تقول : زيد الأشرف نسبا ، والأضوأ وجها ، وزيد أشرف الناس نسبا ، وأضوأ الناس وجها ، ولا تأتي بمن ، فلا تقول : زيد الأشرف منك نسبا والأضوأ منك وجها ، وزيد أشرف الناس منك وجها ، وزيد أضوأ الناس منك وجها ، ولهذا كان قوله «من النجم» محل كلام كقول الأعشى ميمون :
ولست بالأكثر منهم حصى |
|
وإنما العزة للكاثر |
وكقول قيس بن الخطيم الأنصاري :
نحن بغرس الودي أعلمنا |
|
منا بركض الجياد في السدف |
ويمكن أن يتمحل في بيت الشاهد مثل الذي تمحله النحاة في بيت الأعشى وبيت قيس ، فيدعى أن «من» هذه ليست متعلقة بأبعد المذكور المضاف إلى «العداة» ولكنها متعلقة بأبعد آخر محذوف ليس مضافا ، وتقدير الكلام على هذا : لتكن أبعد العداة من الصلح أبعد من النجم ـ الخ ، فأما «من» في قوله «من الصلح» فليست هي من التي يمتنع لحاقها لأفعل التفضيل المقرون بال أو المضاف ، وذلك لأنها ليست «من» الداخلة على المفضول ، والممنوع هو من التي تدخل على المفضول ، ولهذا كان قول الشاعر :
فهم الأقربون من كل خير |
|
وهم الأبعدون من كل ذم |
صحيحا لا غبار عليه. ومحل الاستشهاد بالبيت ههنا قوله «فلتكن أبعد ـ الخ» حيث أمر المخاطب بالفعل المضارع المبدوء بتاء المضارعة المقرون بلام الأمر ، على ما هو الأصل في هذا المعنى ، وقد ذكرنا مثله في شرح الشاهد السابق.
[٣٤٨] الجدوى ـ بوزن التقوى ـ العطية ، والجدا ـ بالفتح ـ مثله ، وتقول : جدا عليه يجدي