١١٧
مسألة
[وزن «إنسان» وأصل اشتقاقه](١)
ذهب الكوفيون إلى أن «إنسان» وزنه إفعان ، وذهب البصريون إلى أن وزنه فعلان ، وإليه ذهب بعض الكوفيين.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا ذلك لأن الأصل في إنسان إنسيان على إفعلان من النّسيان ، إلا أنه لما كثر في كلامهم وجرى على ألسنتهم حذفوا منه الياء ـ التي هي اللام ـ لكثرته في استعمالهم ، والحذف لكثرة الاستعمال كثير في كلامهم ، كقولهم «أيش» في أي شيء ، و «عم صباحا» في انعم صباحا ، و «ويلمّه» في ويل أمّه ، قال الهذلي :
[٤٩٦] ويلمّه رجلا تأبى به غبنا |
|
إذا تجرّد ، لا خال ، ولا بخل |
______________________________________________________
[٤٩٦] هذا هو البيت الخامس من قصيدة للمتنخل الهذلي (ديوان الهذليين ٢ / ٣٣ ـ ٣٧) ومطلعها قوله :
ما بال عينك تبكي دمعها خضل |
|
كما وهي سرب الأخرات منبزل؟ |
السرب ـ بفتح السين وكسر الراء ـ السائل ، يكون ثمة وهي فينسرب الماء منه ، والأخرات : جمع خرت ـ بفتح فسكون وآخره تاء ـ وهو المثقب ، ويروى «الأخراب» بياء موحدة ـ وهو جمع خربة ، وهي العروة ، وويل أمه رجلا : كلمة يتعجب بها ، ولا يراد بها الدعاء ، والخال : المخيلة ، أي الخيلاء ، والبخل ـ بفتح الباء والخاء هنا ـ مثل البخل بم فسكون. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله «ويلمّه» فإن أصل هذه الكلمة «ويل أمه» بهمزة قطع من أصول الكلمة ، والأصل أن تتوفر حروف الكلمة بحيث لا يحذف شيء إلا لعلّة تقتضي هذا الحذف ، لكنهم لما كثر استعمالهم لهذه الكلمة وترددت على ألسنتهم كثيرا التمسوا فيها التخفيف فحذفوا الهمزة بقصد التخفيف فيما يكثر استعماله ، وهذا خلاف الأصل والقياس الذي أشرنا إليه.
ولذلك لا يجوز أن نقيس على هذه العبارة عبارة أخرى مماثلة لها مثل «ويل أبيه» أو «ويل أخته» لأن من شأن الخارج عن القياس أن يقتصر عليه ولا يقاس عليه غيره.
__________________
(١) انظر في هذه المسألة : صحاح الجوهري ولسان العرب ومفردات غريب القرآن للراغب الأصبهاني (أن س ـ ن وس ـ ن س ي).