والذي يدلّ على ذلك أن الشاعر يردّه إلى الأصل في حالة الاضطرار ، قال الشاعر :
[٤٩٢] قد فارقت قرينها القرينه |
|
وشحطت عن دارها الظّعينه |
يا ليتنا قد ضمّنا سفينه |
|
حتّى يعود الوصل كيّنونه |
______________________________________________________
[٤٩٢] هذه أربعة أبيات من الرجز المشطور ، وقد أنشدها ابن منظور (ك ون) وقال قبل إنشادها «قال أبو العباس : أنشدني النهشلي» اه. وشحطت : بعدت ، والظعينة : أصلها المرأة ما دامت في الهودج ؛ ثم جرد من بعض معناه فصار يطلق على المرأة مطلقا ، وقوله «يا ليتنا قد ضمّنا» الذي في اللسان «يا ليت أنّا ضمنا» ومحل الاستشهاد من هذه الأبيات قوله «كينونه» فإن البصريين ذهبوا إلى أن الأصل في هذه الكلمة هو ما ورد في هذه الأبيات بفتح الكاف وتشديد الياء مفتوحة ـ وأن الأصل الأصيل في هذه الكلمة كيونونة ـ بفتح الكاف وسكون الياء وفتح الواو فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما وهي الياء بالسكون فقلبت الواو ياء ، ثم أدغمت الياء في الياء ، وذلك لأنها أحد مصادر كان يكون كونا ، ونظير ذلك هيعوهة وديمومة وقيدودة ، لأنها من هاع يهوع هواعا ـ بضم ففتح ـ وهيعوعة ، أي قاء ، ومن دام يدوم دواما ـ بفتح الدال ـ وديمومة ، ومن قاد الفرس يقوده قودا ومقادة وقيدودة ، كل هذا أصله بياء ساكنة فواو مفتوحة ، بدليل الاشتقاق ، ثم قلبت واو الجميع ياء لما ذكرنا ، ثم أدغمت الياء في الياء ، وهذا الوزن قليل في واوي العين كثير فيما كانت عينه ياء ، نحو طار يطير طيرانا وطيرورة ، وحاد يحيد حيودا وحيدة وحيدودة ، كل هذا أصله بتشديد الياء مفتوحة ، ثم خففوه بحذف إحدى الياءين ، فصار بياء ساكنة ، وذلك نظير تخفيفهم سيد وميت وطيب وهين ، فإن الأصل في هذه الألفاظ تشديد الياء كما في قول الشاعر :
وإن بقوم سودوك لحاجة |
|
إلى سيد لو يظفرون بسيد |
وكما في قوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) وكما في قول الراجز :
بني إن الجود شيء هين |
|
المنطق الطيب والطعيم |
ثم قد يجيئون بها مخففة بياء ساكنة كما في قول الشاعر :
ليس من مات فاستراح بميت |
|
إنما الميت ميت الأحياء |
وكما في قول الآخر :
هينون لينون أيسار ذوو كرم |
|
مثل النجوم التي يسري بها الساري |
قال ابن منظور : «وتقول : كان كونا ، وكينونة أيضا ، شبهوه بالحيدودة والطيرورة من ذوات الياء ، ولم يجىء من الواو على هذا إلا أحرف : كينونة ، وهيعوعة ، وديمومة وقيدودة ، وأصله كينونة ـ بتشديد الياء ـ فحذفوا كما حذفوا من هين وميت» اه ثم قال بعد كلام غير ظاهر : «قال ابن بري : أصله كيونونة ، ووزنها فيعلولة ، ثم قلبت الواو ياء فصار كينونة ، ثم حذفت الياء تخفيفا فصار كينونة ، وقد جاءت بالتشديد على الأصل ، قال أبو العباس : أنشدني النهشليّ ، ثم أنشد أربعة الأبيات ، قال : والحيدودة أصل وزنها فيعلولة وهو حيدودة ، ثم فعل بها ما فعل بكينونة» اه ، وفي الذي ذكره عن ابن بري في وزن حيدودة نظر.