لأنهم حملوه على المعنى ، كأنهم قالوا : شيء طالق ، أو إنسان طالق ، كما قالوا : رجل ربعة ، فأنثوا والموصوف مذكر على معنى نفس ربعة ، وكما جاء في الحديث «مذ دجت الإسلام» لأن الإسلام بمعنى الملّة ، وكما حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال : سمعت أعرابيا يمانيا يقول : فلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها ، فقلت له : أتقول «جاءته كتابي»؟ فقال : أليس بصحيفة؟ والحمل [٣٢٣] على المعنى كثير في كلامهم ، قال الشاعر :
قامت تبكّيه على قبره |
|
من لي من بعدك يا عامر؟ [٣٢٧] |
تركتني في الدّار ذا غربة |
|
قد ذلّ من ليس له ناصر |
فقال «ذا غربة» ولم يقل «ذات غربة» ؛ لأن المرأة في المعنى إنسان.
وقال الآخر :
[٤٦٨]إنّ السّماحة والمروءة ضمّنا |
|
قبرا بمرو على الطّريق الواضح |
______________________________________________________
وذلك كله يجري على الفعل على تقدير حاضت وطلقت ، هذا مذهب الخليل ، وسيبويه يتأوّل على أنه صفة شيء أو إنسان ، والشيء مذكر ، فكأنهم قالوا : شيء حائض ، لأن الشيء عام يقع على المذكر والمؤنث» اه. وخلاصة هذا الكلام أن ما كان وصفا للمؤنث وليس فيه علامة تأنيث كحائض وطالق وطامث لشيوخ البصرة فيه تأويلان : الأول تأويل الخليل ، وحاصله أن هذا الوصف لا يراد به الحدوث ، وإنما يراد به أنه قائم بصاحبه وأن صاحبه منسوب إليه ، فمعنى «امرأة حائض» أنها منسوبة إلى الحيض وإن كانت خالية من دم الحيض حين إطلاق الوصف عليها فعلا ، ومعنى «امرأة مرضع» أنها منسوبة إلى الرضاع نعني أن لها ولدا في زمن الرضاع ، ويقال لها مرضع ولو لم تكن ترضع وقت إطلاق الوصف عليها فعلا ، فإذا أردت بحائض أن الدم الذي يسمى الحيض يقطر منها أو أردت بمرضع أن ثديها في فم ولدها لم يكن لك بد من أن تلحقها التاء فتقول حائضة ومرضعة ، وهذا هو الذي يسمونه جاريا على الفعل ، والتأويل الثاني تأويل سيبويه ، وخلاصته أنه تأول الموصوف بهذه الصفات الخالية من علامة التأنيث بمذكر ، فجعل المرأة بمعنى شيء أو بمعنى إنسان ليصح وصفه بالمذكر ، وقد علمت أن مذهب الكوفيين أنه لا يلزم اقتران علامة التأنيث بالوصف الجاري على المؤنث متى كان هذا الوصف مما لا يوصف به المذكر ، وفي هذا القدر كفاية ومقنع.
[٤٦٨] هذا البيت من قصيدة لزياد الأعجم يرثي فيها المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة وقد أنشد هذه القصيدة ابن عبد ربّه في العقد (٣ / ٢٨٨ اللجنة) وأنشدها أكمل منه أبو علي القالي في ذيل الأمالي (ص ٨ الدار) وقد أنشد بيت الشاهد ابن هشام في شرح الشذور (رقم ٧٧) والسيد المرتضى في أماليه (١ / ٧٢) والعباسي في معهد التنصيص (٢٦١ بولاق) والبيت كناية عن ثبوت صفتي السماحة والمروءة للمرثى ، ونظيره في هذا قول زياد أيضا :
إن السماحة والمروءة والندى |
|
في قبة ضربت على ابن الحشرج |